صفحة جزء
قال المصنف رحمه الله تعالى : ( ويجزئ في بول الصبي الذي لم يطعم الطعام - النضح ، وهو أن يبله بالماء ، وإن لم ينزل عنه ، ولا يجزي في بول الصبية إلا الغسل ; لما روى علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في بول الرضيع : { يغسل من بول الجارية ، وينضح من الغلام } ) .


( الشرح ) : في بول الصبي والصبية اللذين لم يأكلا غير اللبن من الطعام للتغذي ثلاثة أوجه الصحيح أنه يجب غسل بول الجارية ويجزئ النضح في [ ص: 608 ] بول الصبي ( والثاني ) : يكفي النضح فيهما حكاه الخراسانيون ( والثالث ) : يجب الغسل فيهما حكاه المتولي وهذان الوجهان ضعيفان والمذهب الأول ، وبه قطع المصنف والجمهور .

قال البغوي : وبول الخنثى كبول الأنثى من أي فرجيه خرج ، ويشترط في النضح إصابة الماء جميع موضع البول ، وأن يغمره ولا يشترط أن ينزل عنه ، والغسل أن يغمره وينزل عنه .

هذه عبارة الشيخ أبي حامد والجمهور ، وشرحها إمام الحرمين فقال : النضح أن يغمره ويكاثره بالماء مكاثرة لا يبلغ جريانه وتردده وتقطره بخلاف الغسل فإنه يشترط فيه جريان بعض الماء وتقاطره ، وإن لم يشترط عصره ، قال الرافعي وغيره : لا يراد .

الماء ثلاث درجات : ( الأولى ) : النضح المجرد .

( الثانية ) : مع الغلبة والمكاثرة ، ( والثالثة ) : أن يضم إلى ذلك السيلان ، فلا تجب الثالثة قطعا ، وتجب الثانية على أصح الوجهين .

والثاني يكفي الأول .

وأما حديث علي رضي الله عنه فحديث حسن ، رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه والحاكم أبو عبد الله في المستدرك .

قال الترمذي : حديث حسن ، ذكره في كتاب الصلاة .

وقال الحاكم حديث صحيح .

قال : وله شاهدان صحيحان فرواه بلفظه أو بمعناه من رواية لبابة بنت الحارث زوجة العباس .

ومن رواية أبي السمح مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم وخادمه عن النبي صلى الله عليه وسلم وقد رواهما أيضا أبو داود وغيره قال البخاري : حديث أبي السمح هذا حديث حسن وثبت في صحيحي البخاري ومسلم " عن أم قيس بنت محصن رضي الله عنها { أنها جاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم بابن لها صغير لم يأكل الطعام ، فأجلسه رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجره فبال عليه ، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بماء فنضحه عليه ولم يغسله } وفي صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم { كان يؤتى بالصبيان فيبرك عليهم ويحنكهم ، فأتي بصبي فبال عليه فدعا بماء فأتبعه بوله ولم يغسله } وذكر أصحابنا في الفرق بين بول الصبي والصبية من حيث المعنى فرقين ، أحدهما : أن بولها أثخن وألصق بالمحل .

والثاني : أن الاعتناء بالصبي أكثر فإنه يحمله الرجال والنساء في العادة ، والصبية لا يحملها إلا النساء غالبا ، فالابتلاء بالصبي أكثر وأعم والله أعلم .

[ ص: 609 ] هذا كلام الأصحاب في المسألة ، وأما الشافعي فقال في مختصر المزني : يجزئ في بول الغلام الرش ، واستدل بالسنة ثم قال : ولا يبين لي فرق بينه وبين الصبية .

ونقل صاحب جمع الجوامع في نصوص الشافعي أن الشافعي نص على جواز الرش على بول الصبي ما لم يأكل ، واحتج بالحديث ثم قال : ولا يبين لي في بول الصبي والجارية - فرق من السنة الثابتة ، ولو غسل بول الجارية كان أحب إلي احتياطا ، وإن رش عليه ما لم تأكل الطعام أجزأ إن شاء الله - تعالى .

ولم يذكر عن الشافعي غير هذا ، وقال البيهقي : كأن أحاديث الفرق بين بول الصبي والصبية لم تثبت عند الشافعي ، قال الشيخ أبو عمرو بن الصلاح إنكارا على الغزالي رحمهما الله في قوله : " ومنهم من قاس الصبية على الصبي ، وهو غلط لمخالفته النص " قال : قوله هذا غير مرضي من وجهين : ( أحدهما ) : كونه جعله وجها لبعض الأصحاب مع أنه القول المنصوص للشافعي كما ذكرناه .

( والثاني ) : جعله إياه غلطا ، وهو يرتفع عن ذلك ارتفاعا ظاهرا فإنه المنصوص ، ثم ذكر النص الذي قدمناه ، ثم قال : الفرق بينهما حينئذ كأنه قول مخرج لا منصوص ، ومع هذا لا يذكر كثير من ، المصنفين غيره قال : ولا يقوى ما يذكر من الفرق من جهة المعنى قال : وذكر القاضي حسين نص الشافعي أنه لا يبين لي فرق بينهما ثم قال : وأصحابنا يجعلون في بول الصبية قولين : ( أقيسهما ) : أنه كبول الصبي ( والثاني ) : يجب غسله .

قال أبو عمرو : ومع ما ذكرناه من رجحان التسوية من حيث نص الشافعي فالصحيح الفرق لورود الحديث من وجوه تعاضدت بحيث قامت الحجة به .

( فرع ) : في مذاهب العلماء في ذلك مذهبنا المشهور أنه يجب غسل بول الجارية .

ويكفي نضح بول الغلام ، وبه قال علي بن أبي طالب وأم سلمة والأوزاعي وأحمد وإسحاق وأبو عبيد وداود ، وقال مالك وأبو حنيفة والثوري : يشترط غسل بول الغلام والجارية ، وقال النخعي : يكفي نضحهما جميعا ، وهو رواية عن الأوزاعي .

التالي السابق


الخدمات العلمية