صفحة جزء
قال المصنف رحمه الله تعالى : ( وإن كانت النجاسة خمرا فغسلها وبقيت الرائحة ففيه قولان : أحدهما : لا يطهر كما لو بقي اللون ( والثاني ) : يطهر ; لأن الخمر لها رائحة شديدة فيجوز أن تكون لقوة رائحتها تبقى الرائحة من غير جزء من النجاسة ، وإن كانت النجاسة دما فغسله ولم يذهب الأثر أجزأه ; لما روي أن خولة بنت يسار قالت : { يا رسول الله ، أرأيت لو بقي أثر ؟ فقال صلى الله عليه وسلم : الماء يكفيك ولا يضرك أثره } ) .


( الشرح ) : حديث خولة هذا رواه البيهقي في السنن الكبيرة من رواية أبي هريرة بإسناد ضعيف وضعفه ، ثم روى عن إبراهيم المزني الإمام قال : لم نسمع بخولة بنت يسار إلا في هذا الحديث .

قال أصحابنا : يجب محاولة إزالة طعم النجاسة ولونها وريحها فإن حاوله فبقي طعم النجاسة لم يطهر بلا خلاف ; لأنه يدل على بقاء جزء منها ، وإن بقي اللون وحده وهو سهل الإزالة لم يطهر ، وإن كان غيرها كدم الحيض يصيب ثوبا ولا يزول بالمبالغة في الحت والقرض طهر على المذهب .

وحكى الرافعي - وجها - أنه لا يطهر وهو شاذ ، قال الرافعي : والصحيح الذي قطع به الجمهور أن الحت والقرض مستحبان وليسا بشرط ، وفي وجه شاذ هما شرط ، وإن بقيت الرائحة وحدها وهي عسرة الإزالة كرائحة الخمر وبول المبرسم وبعض أنواع العذرة فقولان ، وقيل : وجهان أصحهما يطهر ، وممن حكاه وجهين القاضي أبو الطيب ، قال [ ص: 614 ] الشيخ أبو حامد : هما قولان منصوصان ، وقد ذكر المصنف دليلهما .

وإن بقي اللون والرائحة لم يطهر على الصحيح ، وحكى الرافعي فيه وجها .

قال صاحب التتمة : وإذا لم تزل النجاسة بالماء وحده ، وأمكن إزالتها بأشنان ونحوه وجب .

ثم ما حكمنا بطهارته في هذه الصور مع بقاء لون أو رائحة فهو طاهر حقيقة .

وهذا هو الصحيح الذي قطع به الجمهور ، وفي التتمة وجه أنه يكون نجسا معفوا عنه وليس بشيء ، هذا تلخيص حكم المسألة وما ذكره الأصحاب .

وأما قول المصنف : أحدهما : لا يطهر كما لو بقي اللون .

فمراده : لون يسهل إزالته كما ذكرناه ، وهكذا من أطلق من العراقيين أنه لا يطهر مع بقاء اللون مرادهم ما ذكرنا ، وقد نقل الشيخ أبو حامد والقاضي أبو الطيب الاتفاق على أنه إذا بقي اللون لا يطهر ومرادهما ما ذكرنا ، وقد أنكر بعض الناس على المصنف قوله : كاللون ، وزعم أن صوابه كالطعم قال : لأن اللون لا يضر بقاؤه قطعا ، وهذا الإنكار خطأ من قائله فإنه بجهالته فهم خلاف الصواب ثم اعترض ، والصواب صحة ما قاله المصنف وحمله على ما ذكرناه فقد صرح غيره بما تأولناه .

وأما قول صاحب البيان : القولان في بقاء رائحة الخمر ، فإن بقي رائحة غيرها فقال عامة أصحابنا : لا يطهر ، وقال صاحب التلخيص والفروع : فيه القولان كالخمر .

فليس كما قال بل الصواب الذي عليه الأكثرون طرد القولين في الجميع على ما سبق .

وكأن صاحب البيان قلد في هذه الدعوى صاحب العدة على عادته في النقل عنه ، وممن صرح بطردهما في غير الخمر الشيخ أبو حامد والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية