صفحة جزء
قال المصنف رحمه الله تعالى : ( وإن طبخ اللبن الذي خلط بطينة السرجين لا يطهر ; لأن النار لا تطهر النجاسة ، وقال أبو الحسن بن المرزبان : إذا غسل طهر ظاهره ، فتجوز الصلاة عليه ولا تجوز الصلاة فيه ; لأن ما فيه من السرجين كالزئبر [ في الثوب ] فيحترق بالنار ، ولهذا يتثقب موضعه فإذا غسل طهر فجازت الصلاة عليه ، والمذهب الأول ) .


( الشرح ) : قال أصحابنا : اللبن النجس ضربان مختلط بنجاسة جامدة ، كالروث والعذرة وعظام الميتة ، وغير مختلط بها ، فالمختلط نجس لا طريق إلى تطهيره ; لأن الأعيان النجسة لا تطهر بالغسل ، وهذا فيه عين نجسة فإن طبخ أي أحرق فالمذهب : أنه لا يطهر ، وبه قطع الجمهور وخرج أبو زيد والخضري وآخرون قولا : أن النار تؤثر فيطهر خرجوه من القول القديم أن الأرض تطهر بالشمس .

قالوا : فالنار أبلغ ، فعلى قول الجمهور لو غسل لم يطهر على الصحيح المنصوص ، وقال ابن المرزبان والقفال : يطهر ظاهره واختاره ابن الصباغ .

قال صاحب البيان : فإذا قلنا : إنه لا يطهر بالإحراق فكسر منه موضع فما ظهر بالكسر نجس لا يطهر بالغسل [ ص: 618 ] وتصح الصلاة على ما لم يكسر منه ولكنها مكروهة كما لو صلى في مقبرة غير منبوشة لكونها مدفن النجاسة قال الشافعي والأصحاب : ويكره أن يبني به مسجدا .

قال القاضي أبو الطيب : لا يجوز أن يبني به مسجدا ولا يفرش به فإن فرش به وصلى عليه لم تصح صلاته فإن بسط عليه شيئا صحت مع الكراهة ، ولو حمله مصل في صحة صلاته الوجهان فيمن حمل قارورة فيها نجاسة وسد رأسها بنحاس الصحيح أنه لا تصح صلاته .

( والضرب الثاني ) : غير المختلط بنجاسة جامدة ، كالمعجون ببول أو بماء نجس أو خمر فيطهر ظاهره بإفاضة الماء عليه ويطهر باطنه بأن ينقع في الماء حتى يصل إلى جميع أجزائه كما لو عجن عجين بماء نجس ، فلو طبخ هذا اللبن طهر - على تخريج أبي زيد - ظاهره ، وكذا باطنه على الأصح ، وأما على المذهب وقول الجمهور فهو باق على نجاسته ويطهر - بالغسل - ظاهره دون باطنه ، وإنما يطهر باطنه بأن يدق حتى يصير ترابا ثم يفاض الماء عليه ، فلو كان بعد الطبخ رخوا لا يمنع نفوذ الماء فهو كما قبل الطبخ .

وقول المصنف : كالزئبر هو بزاي مكسورة ثم همزة ثم باء موحدة مكسورة على المشهور عند أهل اللغة . قال الجوهري : ويقال بضم الباء وهو ما يعلو الثوب الجديد كالزغب وقوله : قال ابن المرزبان : هو بميم مفتوحة ثم راء ساكنة ثم زاي مضمومة ثم باء موحدة ، والمرزبان بالفارسية وهو معرب وهو زعيم فلاحي العجم وجمعه مرازبة ، ذكر هذا كله الجوهري في صحاحه .

وابن المرزبان هذا هو أبو الحسن علي بن أحمد المرزبان البغدادي صاحب ابن القطان ، تفقه عليه الشيخ أبو حامد ، كان إماما في المذهب ورعا ، قال : ما أعلم أن لأحد علي مظلمة .

وهو يعلم أن الغيبة مظلمة ، توفي في رجب سنة ست وستين وثلاثمائة ، ذكرت أحواله في الطبقات والتهذيب .

التالي السابق


الخدمات العلمية