صفحة جزء
قال المصنف رحمه الله تعالى ( ولا يؤمر أحد ممن لا يجب عليه فعل الصلاة بفعلها إلا الصبي فإنه يؤمر بفعلها لسبع سنين ويضرب على تركها لعشر ، لما روى سبرة الجهني رضي الله عنه قال : " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { علموا الصبي الصلاة لسبع سنين واضربوه عليها ابن عشر سنين . } )


( الشرح ) حديث سبرة صحيح رواه أبو داود والترمذي وغيرهما بأسانيد صحيحة . قال الترمذي : هو حديث حسن ، ولفظ أبي داود : " { مروا الصبي بالصلاة إذا بلغ سبع سنين ، وإذا بلغ عشر سنين فاضربوه [ ص: 12 ] عليها } ولفظ الترمذي كلفظ المصنف وسبرة بفتح السين المهملة وإسكان الباء الموحدة ، وهو سبرة بن معبد ، قال الترمذي وغيره : ويقال سبرة بن عوسجة الجهني أبو ثربة ( بضم الثاء المثلثة وفتح الراء ) وقيل كنيته أبو الربيع ، حكاه الحافظ أبو القاسم علي بن الحسن الدمشقي المعروف بابن عساكر رحمه الله ، وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين واضربوهم عليها وهم أبناء عشر وفرقوا بينهم في المضاجع } رواه أبو داود بإسناد حسن ، والاستدلال به واضح ; لأنه يتناول بمنطوقه الصبي والصبية في الأمر بالصلاة والضرب عليها ، وفيه زيادة أخرى وهي التفريق في المضاجع . واعلم أن قوله صلى الله عليه وسلم : { مروا أولادكم بالصلاة } ليس أمرا منه صلى الله عليه وسلم للصبي ، وإنما هو أمر للولي ، فأوجب على الولي أن يأمر الصبي ، وهذه قاعدة معروفة في الأصول أن الأمر بالأمر بالشيء ليس أمرا بالشيء ما لم يدل عليه دليل كقوله تعالى : { خذ من أموالهم صدقة }

( أما حكم المسألة ) فمن لا تلزمه الصلاة لا يؤمر بفعلها لا إيجابا ولا ندبا إلا الصبي والصبية فيؤمران بها ندبا إذا بلغ سبع سنين وهما مميزان ، ويضربان على تركها إذا بلغا عشر سنين ، فإن لم يكونا مميزين لم يؤمروا ; لأنها لا تصح من غير مميز ، وقد اقتصر المصنف على الصبي ، ولو قال : الصبي والصبية لكان أولى ، وأنه لا فرق بينهما بلا خلاف ، صرح به أصحابنا لحديث عمرو بن شعيب الذي ذكرناه ، وهذا الأمر والضرب واجب على الولي سواء كان أبا أو جدا أو وصيا أو قيما من جهة القاضي ، صرح به أصحابنا منهم صاحبا الشامل والعدة وآخرون . ذكره صاحب العدة في آخر باب موقف الإمام والمأموم هناك ، وذكره المزني عن الشافعي في المختصر ، ودليل هذه القاعدة قوله تعالى : { وأمر أهلك بالصلاة } وقوله تعالى : [ ص: 13 ] { قوا أنفسكم وأهليكم نارا } وقوله صلى الله عليه وسلم : { وإن لولدك عليك حقا } رواه مسلم في صحيحه في كتاب الصيام من رواية ابن عمرو بن العاص ، وقوله صلى الله عليه وسلم : { كلكم راع ومسئول عن رعيته ، والرجل راع في أهله ومسئول عن رعيته } رواه البخاري ومسلم . قال الشافعي في المختصر : " وعلى الآباء والأمهات أن يؤدبوا أولادهم ويعلموهم الطهارة والصلاة ويضربوهم على ذلك إذا عقلوا " قال أصحابنا : ويأمره الولي بحضور الصلوات في الجماعة ، وبالسواك وسائر الوظائف الدينية ، ويعرفه تحريم الزنا واللواط والخمر والكذب والغيبة وشبهها . قال الرافعي قال الأئمة : يجب على الآباء والأمهات تعليم أولادهم الطهارة والصلاة والشرائع بعد سبع سنين وضربهم على تركها بعد عشر سنين ، وأجرة تعليم الفرائض في مال الصبي ، فإن لم يكن له مال فعلى الأب فإن لم يكن فعلى الأم . وهل يجوز أن يعطى أجرة تعليم ما سوى الفاتحة والفرائض من مال الصبي ؟ فيه وجهان أصحهما يجوز ، وقد سبق بيان هذا مع ما يتعلق به في مقدمة الكتاب في بيان أقسام العلم . والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية