صفحة جزء
قال المصنف رحمه الله تعالى ( ووقت الصبح إذا طلع الفجر الثاني ، وهو الفجر الصادق الذي يحرم به الطعام والشراب على الصائم ، وآخره إذا أسفر لما روي : { أن جبريل عليه السلام صلى الصبح حين طلع الفجر ، وصلى من الغد حين أسفر ، ثم التفت وقال : هذا وقتك ووقت الأنبياء من قبلك ، وفيما بين هذين وقت } ثم يذهب وقت الاختيار ويبقى وقت الجواز إلى [ حين ] طلوع الشمس ، وقال أبو سعيد الإصطخري : يذهب الوقت وما بعده وقت القضاء والمذهب الأول لحديث أبي قتادة رضي الله عنه ويكره أن تسمى صلاة الغداة ; لأن الله تعالى سماها بالفجر ، فقال تعالى : { وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا } وسماها رسول الله صلى الله عليه وسلم الصبح فقال : { من أدرك ركعة من الصبح فقد أدركها . } )


. ( الشرح ) حديث جبريل عليه السلام صحيح سبق بيانه وكذا حديث أبي قتادة ، وحديث { من أدرك ركعة من الصبح } رواه البخاري ومسلم من [ ص: 46 ] رواية أبي هريرة ، وأجمعت الأمة على أن أول وقت الصبح طلوع الفجر الصادق ، وهو الفجر الثاني ، وآخر وقت الاختيار إذا أسفر أي أضاء ، ثم يبقى وقت الجواز إلى طلوع الشمس ، وقال الإصطخري : يخرج الوقت بالإسفار ، ويكون ما بعده قضاء ، ويأثم بالتأخير إليه ، وقد سبق دليله . ودليل المذهب في وقت صلاة العصر . قال صاحب التهذيب : ويكره تأخير الصبح بغير عذر إلى طلوع الحمرة ، يعني الحمرة التي قبيل طلوع الشمس .

( فرع ) قال أصحابنا : الفجر فجران ( أحدهما ) يسمى الفجر الأول والفجر الكاذب ( والآخر ) يسمى الفجر الثاني والفجر الصادق ، فالفجر الأول يطلع مستطيلا نحو السماء كذنب السرحان ، وهو الذئب ، ثم يغيب ذلك ساعة ثم يطلع الفجر الثاني الصادق مستطيرا ، بالراء أي منتشرا ، عرضا في الأفق . قال أصحابنا : والأحكام كلها متعلقة بالفجر الثاني ، فيه يدخل وقت صلاة الصبح ويخرج وقت العشاء ويدخل في الصوم ، ويحرم به الطعام والشراب على الصائم ، وبه ينقضي الليل ويدخل النهار ، ولا يتعلق بالفجر الأول شيء من الأحكام بإجماع المسلمين . قال صاحب الشامل : سمي الفجر الأول كاذبا ; لأنه يضيء ثم يسود ويذهب ويسمى الثاني صادقا ; لأنه صدق عن الصبح وبينه ، ومما يستدل به للفجرين من الحديث ، حديث ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { لا يمنعن أحدكم أو واحدا منكم أذان بلال من سحوره فإنه يؤذن أو ينادي بليل ليرجع قائمكم ، وليتنبه نائمكم وليس أن يقول الفجر أو الصبح . وقال - بأصابعه ورفعها إلى فوق وطأطأها إلى أسفل - حتى يقول هكذا . وقال بسبابتيه أحدهما فوق الأخرى ثم مدهما عن يمينه وشماله } رواه البخاري ومسلم وعن سمرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { لا يغرنكم أذان بلال ولا هذا البياض لعمود الصبح حتى يستطير } رواه مسلم ورواه الترمذي عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { لا يمنعنكم من سحوركم أذان بلال ، ولا الفجر المستطيل ، ولكن الفجر المستطير في الأفق } قال الترمذي : حديث حسن ، وعن طلق بن علي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { كلوا واشربوا ولا يهيدنكم الساطع المصعد ، وكلوا واشربوا حتى يعترض لكم الأحمر } [ ص: 47 ] رواه أبو داود والترمذي قال الترمذي : هذا حديث حسن قال : والعمل عليه عند أهل العلم لا يحرم الأكل والشرب على الصائم حتى يكون الفجر المعترض والله أعلم .

( فرع ) صلاة الصبح من صلوات النهار ، وأول النهار طلوع الفجر الثاني هذا مذهبنا ، وبه قال العلماء كافة إلا ما حكاه الشيخ أبو حامد في تعليقه عن قوم أنهم قالوا : ما بين طلوع الشمس والفجر لا من الليل ولا من النهار ، بل زمن مستقل فاصل بينهما ، قالوا : وصلاة الصبح لا في الليل ولا في النهار . وحكى الشيخ أبو حامد أيضا عن حذيفة بن اليمان وأبي موسى الأشعري وأبي مجلز والأعمش رضي الله عنهم قالوا : آخر الليل طلوع الشمس وهو أول النهار . قالوا : وصلاة الصبح من صلوات الليل قالوا : وللصائم أن يأكل حتى تطلع الشمس هكذا نقله أبو حامد عن هؤلاء ، ولا أظنه يصح عنهم .

وقال القاضي أبو الطيب وصاحب الشامل : وحكي عن الأعمش أنه قال : هي من صلوات الليل ، وإنما قبل طلوع الشمس من الليل يحل فيه الأكل للصائم قال : وهذه الحكاية بعيد صحتها مع ظهور تحريم الأكل بطلوع الفجر في كل عصر مع ظاهر القرآن ، فإن احتج له بقوله تعالى : { فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة } وآية النهار هي الشمس فيكون النهار من طلوعها ، ويقول أمية بن أبي الصلت :

والشمس تطلع كل آخر ليلة حمراء تبصر لونها تتوقد

فالجواب أنه يثبت كونه من النهار بقوله تعالى { وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر } وبإجماع أهل الأعصار على تحريم الطعام والشراب بطلوع الفجر ، وثبت في حديث جبريل عليه السلام أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { ثم صلى الفجر حين برق الفجر وحرم الطعام على الصائم } وهو حديث صحيح كما سبق ، وثبتت الأحاديث الأربعة في الفرع الذي قبل هذا ، وفي الصحيحين أن رسول الله [ ص: 48 ] صلى الله عليه وسلم قال { إن بلالا يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم } والليل لا يصح الصوم فيه بإجماع المسلمين . وأما الجواب عن الآية التي احتج له بها فليس فيها دليل ; لأن الله تعالى أخبر أن الشمس آية للنهار ، ولم ينف كون غيرها آية فإذا قامت الدلائل على أن هذا الوقت من النهار وجب العمل بها ، ولأن الآية العلامة ، ولا يلزم أن يقارن جميع الشيء ، كما أن القمر آية الليل ولا يلزم مقارنته لجميع الليل ، وأما الشعر فقد نقل الخليل بن أحمد إمام اللغة أن النهار هو الضياء الذي بين طلوع الفجر وغروب الشمس ، وحينئذ يحمل قول الشاعر أنه أراد قريب آخر كل ليلة لا آخرها حقيقة فإن قيل : فقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم { صلاة النهار عجماء } قلنا : قال الدارقطني وغيره من الحفاظ : هذا ليس من كلام النبي صلى الله عليه وسلم ولم يرو عنه ، وإنما هو قول بعض الفقهاء قال الشيخ أبو حامد وسألت عنه أبا الحسن الدارقطني فقال : لا أعرفه عن النبي صلى الله عليه وسلم صحيحا ولا فاسدا مع أن المراد معظم صلوات النهار ، ولهذا يجهر في الجمعة والعيد والله أعلم .

واحتج الأصحاب على من قال : إن ما بين الفجر والشمس لا من الليل ولا من النهار بقول الله تعالى : { يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل } فدل على أنه لا فاصل بينهما والله أعلم .

( فرع ) لصلاة الصبح اسمان الفجر والصبح جاء القرآن بالفجر ، والسنة بالفجر والصبح كما سبق بيانه ، قال الشافعي في الأم : أحب أن لا تسمى إلا بأحد هذين الاسمين ولا أحب أن تسمى الغداة ، هذا نص الشافعي وكذا قاله المحققون من أصحابنا فقالوا : يستحب تسميتها صبحا وفجرا ولا يستحب تسميتها غداة ولم يقولوا تكره تسميتها غداة ، وقول المصنف وشيخه القاضي أبي الطيب يكره أن تسمى غداة غريب ضعيف [ ص: 49 ] لا دليل له وما ذكره لا يدل على الكراهة . فإن المكروه ما ثبت فيه نهي غير جازم ، ولم يرد في الغداة نهي ، بل اشتهر استعمال لفظ الغداة فيها في الحديث وفي كلام الصحابة رضي الله عنهم من غير معارض ، فالصواب أنه لا يكره لكن الأفضل الفجر والصبح والله أعلم .

( فرع ) لو دخل في الصبح أو العصر أو غيرهما وخرج الوقت وهو فيها لم تبطل صلاته سواء كان صلى في الوقت ركعة أو أقل أو أكثر ، لكن هل تكون أداء ؟ أم قضاء ؟ فيه خلاف سنوضحه حيث ذكره المصنف إن شاء الله تعالى ، هذا مذهبنا وبه قال جمهور العلماء . وقال أبو حنيفة : تبطل الصبح ; لأنها عبادة يبطلها الحدث فبطلت بخروج الوقت فيها كطهارة مسح الخف ، دليلنا حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر ، ومن أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح } رواه البخاري ومسلم ، والجواب عن مسألة الخف أن صلاته إنما بطلت هناك لبطلان طهارته وهنا لم تبطل طهارته والله أعلم .

( فرع ) ثبت في صحيح مسلم عن النواس بن سمعان رضي الله عنه قال : { ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم الدجال قلنا : يا رسول الله وما لبثه ؟ قال : أربعون يوما ، يوم كسنة ، ويوم كشهر ، ويوم كجمعة . وسائر أيامه كأيامكم ، قلنا : يا رسول الله فذلك اليوم الذي كسنة أتكفينا فيه صلاة يوم ؟ قال : لا . اقدروا له قدره } فهذه مسألة سيحتاج إليها نبهت عليها ليعلم حكمها بنص كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح وبالله التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية