صفحة جزء
قال المصنف رحمه الله تعالى ( وإن نسي صلاة ولم يعرف عينها لزمه أن يصلي خمس صلوات . وقال المزني [ يلزمه أن ] يصلي أربع ركعات وينوي الفائتة ، ويجلس في ركعتين ثم يجلس في الثالثة ثم يجلس في الرابعة ، وهذا غير صحيح لأن تعيين النية شرط في صحة الصلاة . ولا يحصل ذلك إلا بأن يصلي خمس صلوات بخمس نيات ) .


[ ص: 77 ] الشرح ) إذا نسي صلاة أو صلاتين أو ثلاثا أو أربعا من الخمس ، قال الشافعي في الأم والأصحاب : لزمه أن يصلي الخمس ، وفيه مذهب المزني ودليل المذهب مذكور ، وعلى مذهب المزني يجهر بالقراءة في الأوليين ، حكاه عنه القاضي أبو الطيب وصاحب الشامل في باب صفة الصلاة ، وهناك ذكر كثيرون المسألة ، قال : لأن الجهر يكون في ثلاث صلوات فغلب ،ولو نسي صلاتين من يومين إن علم اختلافهما وجهل عينهما كفاه أن يصلي الخمس ، وإن علم اتفاقهما أو شك لزمه أن يصلي عشر صلوات كل صلاة مرتين ، وقد ذكر المصنف هذه المسألة في باب التيمم . قال الشافعي رحمه الله في الأم : لو كان عليه ظهر أو عصر أو جهل أيتهما هي فدخل بنية إحداهما ثم شك أيتهما نوى لم تجزه هذه الصلاة عن واحدة منهما ، ولو كان عليه فوائت لا يعرف عددها ويعلم المدة التي فاته فيها بأن قال : تركت صلوات من هذا الشهر ولا أعلم قدرها ، فوجهان حكاهما صاحبا التتمة والبيان والشاشي ( أحدهما ) وهو قول القفال يقال له : كم تتحقق أنك تركت ؟ فإن قال : عشر صلوات وأشك في الزيادة لزمه العشر دون الزيادة ( والثاني ) وهو قول القاضي حسين يقال له : كم تتحقق أنك صليت في هذا الشهر ؟ فإذا قال كذا وكذا ألزمناه قضاء ما زاد ; لأن الأصل شغل ذمته فلا يسقط إلا ما تحققه . قال صاحب التتمة : ونظير المسألة من شك بعد سلامه هل ترك ركنا ؟ وفيه قولان ( أحدهما ) لا شيء عليه ( والثاني ) يلزمه البناء على الأقل إن قرب الفصل ، وإن بعد لزمه الاستئناف فعلى قياس الأول يلزمه قضاء ما تحقق تركه فحسب ، وعلى الثاني يلزمه ما زاد على ما تحقق فعله ، قلت : قول القاضي حسين أصح ، والذي ينبغي أن يختار وجه ثالث وهو أنه إن كان عادته الصلاة ، ويندر تركه لم يلزمه إلا ما تيقن تركه كما لو شك بعد السلام في ترك ركن فإن المذهب أنه لا يلزمه شيء ; لأن الظاهر مضيها على الصحة ، وإن كان يصلي في وقت ويترك في وقت ، ولم تغلب منه الصلاة لزمه قضاء ما زاد على ما تيقن فعله ; لأن الأصل بقاؤه في ذمته ولم يعارضه ظاهر والله أعلم .

[ ص: 78 ] فرع ) في مسائل تتعلق بالباب ( إحداها ) إذا اشتبه عليه وقت الصلاة والعجب أن المصنف ترك هذه المسألة وهي مهمة ومشهورة في كل الكتب حتى في التنبيه ، قال أصحابنا : إذا اشتبه وقتها لغيم أو لحبس في موضع مظلم أو غيرهما لزمه الاجتهاد فيه ، ويستدل بالدرس والأوراد والأعمال وشبهها ، ويجتهد الأعمى كالبصير ; لأنه يشارك البصير في هذه العلامات بخلاف القبلة ، وإنما يجتهدان إذا لم يخبرهما ثقة بدخول الوقت عن مشاهدة ، فإن أخبر عن مشاهدة بأن قال : رأيت الفجر طالعا أو الشفق غاربا ، لم يجز الاجتهاد ، ووجب العمل بخبره . وكذا لو أخبر ثقة عن أخبار عن مشاهدة وجب قبوله ، فإن أخبر عن اجتهاد لم يجز للبصير القادر على الاجتهاد تقليده ; لأن المجتهد لا يجوز له تقليد مجتهد ، ويجوز للأعمى والبصير العاجز عن الاجتهاد تقليده على أصح الوجهين لضعف أهليته ، وهذا ظاهر نص الشافعي رحمه الله ، وقطع به القاضي أبو الطيب في تعليقه في تقليد الأعمى ، وإذا وجب الاجتهاد فصلى بغير اجتهاد لزمه إعادة الصلاة وإن صادف الوقت ، لتقصيره وتركه الاجتهاد الواجب ، وقد تقدم نظيره في باب التيمم . قال في التتمة : لو ظن دخول الوقت فصلى بالظن بغير علامة ظهرت فصادف الوقت لا تصح صلاته لتفريطه بترك الاجتهاد والعلامة ، وإذا لم تكن له دلالة أو كانت فلم يغلب على ظنه شيء لزمه الصبر حتى يظن دخول الوقت ، والاحتياط أن يؤخر إلى أن يتيقنه أو يظنه ، ويغلب على ظنه أنه لو أخر خرج الوقت نص عليه الشافعي رحمه الله ، واتفق الأصحاب عليه ، وإذا قدر على الصبر إلى استيقان دخول الوقت جاز له الاجتهاد على الصحيح ، وهو قول جمهور أصحابنا .

وفيه وجه اختاره أبو إسحاق الإسفراييني وهو نظير مسألة الأواني ، إذا اشتبه إناءان ومعه ثالث يتيقن طهارته . ولو كان في بيت مظلم وقدر على الخروج لرؤية الشمس فهل له الاجتهاد فيه وجهان حكاهما صاحب التتمة وغيره ( أحدهما ) لا لقدرته على اليقين والصحيح الجواز كما للصحابي اعتماد رواية صحابي وفتواه ، وإن كان قادرا على سماعه من النبي صلى الله عليه وسلم وتحصيل العلم القطعي [ ص: 79 ] بذلك ، وحيث جاز الاجتهاد فصلى به إن لم يتبين الحال فلا شيء عليه ، وإن بان وقوع الصلاة في الوقت أو بعده فلا شيء عليه وقد أجزأته صلاته لكن الواقعة فيه أداء والواقعة بعده قضاء على أصح الوجهين ، فعلى هذا لو كان مسافرا وقصرها وجبت إعادتها تامة إذا قلنا : لا يجوز قصر المقضية وإن كان وقوعها قبل الوقت وأدركه وجبت الإعادة بلا خلاف ، وإن لم يدركه فقولان ( الصحيح ) وجوب الإعادة ، وبه قطع الشيخ أبو حامد والقاضي أبو الطيب في تعليقهما والبندنيجي ( والثاني ) لا يجب ، وهذا الخلاف والتفصيل كنظيره فيمن اشتبه عليه شهر رمضان . ولو أخبره ثقة أن صلاته وقعت قبل الوقت فإن أخبره عن علم ومشاهدة وجبت الإعادة كالحاكم إذا وجد النص بخلاف حكمه فإنه يجب نقض حكمه ، وإن أخبره عن اجتهاد فلا إعادة بلا خلاف ، ولو علم المنجم الوقت بالحساب حكى صاحب البيان أن المذهب أنه يعمل به بنفسه ولا يعمل به غيره .

( فرع ) المؤذن الثقة العارف بالمواقيت هل يجوز اعتماده في دخول الوقت ؟ فيه أربعة أوجه : ( أحدها ) يجوز للأعمى في الصحو والغيم ، ويجوز للبصير في الصحو ولا يجوز له في الغيم ; لأنه في الغيم مجتهد والمجتهد لا يقلد المجتهد ، وفي الصحو يشاهد فهو مخبر عن مشاهدة . وهذا الوجه هو الذي رجحه الروياني والرافعي وغيرهما . ( والثاني ) وهو الأصح : يجوز للبصير والأعمى في الصحو والغيم قاله ابن سريج والشيخ أبو حامد وصححه صاحب التهذيب ، ونقله عن نص الشافعي رحمه الله ، وقطع به البندنيجي وصاحب العدة ، قال البندنيجي ولعله إجماع المسلمين ; لأنه لا يؤذن في العادة إلا في الوقت . ( والثالث ) لا يجوز لهما ; لأنه اجتهاد وهما مجتهدان حكاه في التهذيب والتتمة . ( والرابع ) يجوز للأعمى دون البصير من غير فرق بين الغيم والصحو حكاه القاضي أبو الطيب في تعليقه . ولو كثر المؤذنون في يوم صحو أو غيم وغلب على الظن أنهم لا يخطئون لكثرتهم جاز اعتمادهم للبصير والأعمى بلا خلاف .

( فرع ) الديك الذي جربت إصابته في صياحه للوقت يجوز اعتماده في دخول الوقت ذكره القاضي حسين وصاحب التتمة والرافعي .

[ ص: 80 ] المسألة الثانية ) قال الشافعي رحمه الله في المختصر : الوقت للصلاة وقتان وقت مقام ورفاهية ، ووقت عذر وضرورة ، واتفق أصحابنا على أن المراد بوقت المقام والرفاهية وقت المقيم في وطنه إذا لم يكن هناك مطر ، وأما وقت العذر والضرورة ففيه وجهان مشهوران لمتقدمي أصحابنا حكاهما الشيخ أبو حامد وسائر شارحي المختصر ، الصحيح عندهم وهو قول أبي إسحاق المروزي وغيره أن المراد به وقت واحد ، وهو الوقت الجامع بين الصلاتين بسفر أو مطر ووقت صبي بلغ وكافر أسلم ومجنون ومغمى عليه أفاق وحائض ونفساء طهرتا قبل خروج وقت الصلاة الثانية فتلزمهم الصلاتان ( والثاني ) : أن المراد بوقت العذر وقت الجامع ، والمراد بوقت الضرورة وقت الصبي والباقين - قال الجمهور هذا التفسير غلط .

( الثالثة ) إذا دخل في الصلاة المكتوبة في أول وقتها أو غيره حرم قطعها بغير عذر وهذا هو نص الشافعي في الأم ، وقطع به جماهير الأصحاب ، وقد سبقت المسألة مبسوطة في باب التيمم وذكرنا هناك أن الصحيح أيضا تحريم قطع العموم الواجب بقضاء أو نذر أو كفارة وأوضحنا جميع ذلك .

( الرابعة ) يستحب إيقاظ النائم للصلاة لا سيما إن ضاق وقتها لقوله تعالى { وتعاونوا على البر والتقوى } ولحديث عائشة رضي الله عنها قالت : { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي صلاته من الليل وأنا معترضة بين يديه فإذا بقي الوتر أيقظني فأوترت } وفي رواية : { فإذا أوتر قال : قومي فأوتري يا عائشة } رواه مسلم ، وعن أبي بكرة رضي الله عنه قال : { خرجت مع النبي صلى الله عليه وسلم لصلاة الصبح فكان لا يمر برجل إلا ناداه بالصلاة أو حركه برجله } رواه أبو داود بإسناد فيه ضعف ولم يضعفه والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية