صفحة جزء
قال المصنف رحمه الله تعالى ( وهما سنتان ومن أصحابنا من قال : هما [ فرض ] من فروض الكفاية ، فإن اتفق أهل بلد أو [ أهل ] صقع على تركها قوتلوا عليه ; لأنه من شعائر الإسلام فلا يجوز تعطيله ، وقال أبو علي بن خيران وأبو سعيد الإصطخري هو سنة إلا في الجمعة فإنه من فرائض الكفاية فيها ، لأنها لما اختصت الجمعة بوجوب الجماعة اختصت بوجوب الدعاء إليها والمذهب الأول ; لأنه دعاء إلى الصلاة فلم تجب ، كقوله : الصلاة جامعة ) .


( الشرح ) الصقع بضم الصاد ، الناحية والكورة ، ويقال : صقع وسقع وزقع بالصاد والسين والزاي ثلاث لغات ، وقوله : الصلاة جامعة بنصبهما الصلاة على الإغراء ، وجامعة على الحال ، وقوله : دعاء إلى الصلاة فلم تجب كقوله : الصلاة جامعة ، يعني حيث تشرع الصلاة جامعة كالعيد والكسوف وهذا القياس ضعيف ، ; لأنه ليس في قوله : الصلاة جامعة شعار ظاهر بخلاف الأذان . وقوله ( شعائر الإسلام ) هي جمع شعيرة بفتح الشين ، قال أهل اللغة والمفسرون : هي متعبدات الإسلام ومعالمه الظاهرة مأخوذة من شعرت ، أي علمت ، فهي ظاهرات معلومات . ( أما حكم المسألة ) ففي الأذان والإقامة ثلاثة أوجه كما ذكر المصنف أصحها أنهما سنة ، والثاني فرض كفاية ، والثالث فرض كفاية في الجمعة ، سنة في غيرها ، وهو قول ابن خيران والإصطخري كما ذكره المصنف وغيره ، وحكاه السرخسي عن أحمد السياري من أصحابنا ، ومما احتجوا به لكونهما [ ص: 89 ] سنة قوله صلى الله عليه وسلم للأعرابي المسيء صلاته : افعل كذا وكذا ، ولم يذكرهما مع أنه صلى الله عليه وسلم ذكر الوضوء واستقبال القبلة وأركان الصلاة . قال أصحابنا : فإن قلنا : فرض كفاية فأقل ما يتأدى به الفرض أن ينتشر الأذان في جميع أهل ذلك المكان ، فإن كانت قرية صغيرة بحيث إذا أذن واحد سمعوا كلهم سقط الفرض بواحد ، وإن كان بلدا كبيرا وجب أن يؤذن في كل موضع واحد بحيث ينتشر الأذان في جميعهم ، فإن أذن واحد فحسب سقط الحرج عن الناحية التي سمعوه دون غيرهم . قال صاحب الإبانة : ويسقط فرض الكفاية بالأذان لصلاة واحدة في كل يوم وليلة ولا يجب لكل صلاة ، وحكى إمام الحرمين هذا عنه ولم يحك عن غيره وقال : لم أر لأصحابنا إيجابه لكل صلاة ، قال : ودليله أنه إذا حصل مرة في كل يوم وليلة لم تندرس الشعار ، واقتصر الغزالي في البسيط على ما ذكره صاحب الإبانة وهذا الذي ذكروه خلاف ظاهر كلام جمهور أصحابنا ، فإن مقتضى كلامهم وإطلاقهم أنه إذا قيل : إنه فرض كفاية وجب لكل صلاة ، وهذا هو الصواب تفريعا على قولنا فرض كفاية ; لأنه المعهود ، ولا يحصل الشعار إلا به ، وإذا قلنا الأذان سنة حصلت بما يحصل به إذا قلنا فرض كفاية . قال أصحابنا : فإن قلنا : فرض كفاية فاتفق أهل بلد أو قرية على تركه وطولبوا به فامتنعوا وجب قتالهم كما يقاتلون على ترك غيره من فروض الكفاية . وإن قلنا : هو سنة فتركوه فهل يقاتلون ؟ فيه وجهان مشهوران في كتب العراقيين ، وذكرهما قليلون من الخراسانيين ، ( الصحيح ) منهما لا يقاتلون كما لا يقاتلون على ترك سنة الظهر والصبح وغيرهما ، ( الثاني ) : يقاتلون ; لأنه شعار ظاهر بخلاف سنة الظهر . قال إمام الحرمين قال الأصحاب : لا يقاتلون . وقال أبو إسحاق المروزي يقاتلون وهو باطل لا أصل له ، وهو رجوع إلى أنه فرض كفاية وإلا فلا قتال على ترك السنة ، هكذا قاله إمام الحرمين وابن الصباغ [ ص: 90 ] والشاشي وآخرون ، قال الإمام وإذا قلنا : إنه فرض كفاية في الجمعة خاصة فوجهان ( أحدهما ) لا يسقط الفرض إلا بأذان يفعل بين يدي الخطيب . ( والثاني ) : يسقط بأن يؤتى به لصلاة الجمعة وإن لم يكن بين يديه ، واتفقوا على أنه لا يسقط بأذان يفعل في يوم الجمعة لغير صلاة الجمعة ، وقال الإمام والقول في الإقامة كالقول في الأذان في جميع ما ذكرناه . ( فرع ) في مذاهب العلماء في الأذان والإقامة مذهبنا المشهور أنهما سنة لكل الصلوات في الحضر والسفر للجماعة والمنفرد لا يجبان بحال . فإن تركهما صحت صلاة المنفرد والجماعة ، وبه قال أبو حنيفة وأصحابه وإسحاق بن راهويه ونقله السرخسي عن جمهور العلماء وقال ابن المنذر هما فرض في حق الجماعة في الحضر والسفر قال : وقال مالك تجب في مسجد الجماعة ، وقال عطاء والأوزاعي إن نسي الإقامة أعاد الصلاة ، وعن الأوزاعي - رواية - أنه يعيد ما دام الوقت باقيا قال العبدري : هما سنة عند مالك وفرضا كفاية عند أحمد وقال داود هما فرض لصلاة الجماعة وليسا بشرط لصحتها ، وقال مجاهد إن نسي الإقامة في السفر أعاد ، وقال المحاملي قال أهل الظاهر : هما واجبان لكل صلاة واختلفوا في اشتراطهما لصحتها

التالي السابق


الخدمات العلمية