صفحة جزء
قال المصنف رحمه الله تعالى ( لا يجوز الأذان لغير الصبح قبل دخول الوقت لأنه يراد للإعلام بالوقت فلا يجوز قبله . وأما الصبح فيجوز أن يؤذن لها بعد نصف الليل لقول النبي صلى الله عليه وسلم { إن بلالا يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم } ولأن الصبح يدخل وقتها والناس نيام وفيهم الجنب والمحدث ، فاحتيج إلى تقديم الأذان ليتأهب للصلاة [ ويخالف ] سائر الصلوات [ فإنه ] يدخل وقتها والناس مستيقظون فلا يحتاج إلى تقديم الأذان ، وأما الإقامة فلا يجوز تقديمها على الوقت لأنها تراد لاستفتاح الصلاة فلا يجوز قبل الوقت ) .


( الشرح ) هذا الحديث صحيح رواه البخاري ومسلم من رواية ابن عمر رضي الله عنهما وروى ابن خزيمة والبيهقي وغيرهما من رواية عائشة وغيرها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال { إن ابن مكتوم ينادي بليل فكلوا واشربوا حتى ينادي بلال } قال البيهقي : قال ابن خزيمة : إن صحت هذه الرواية فيجوز أن يكون بين ابن أم مكتوم وبلال نوب ، فكان بلال في نوبة يؤذن بليل ، وكان ابن أم مكتوم في نوبة يؤذن بليل قال : وإن لم تصح [ ص: 96 ] رواية من روى تقديم أذان ابن أم مكتوم فقد صح خبر ابن عمر وابن مسعود وسمرة وعائشة أن بلالا كان يؤذن بليل والله أعلم . واسم ابن أم مكتوم عمرو بن قيس ، وقيل عبد الله بن زائدة القرشي العامري وهو ابن خال خديجة أم المؤمنين رضي الله عنها استخلفه النبي صلى الله عليه وسلم ثلاث عشرة مرة في غزواته ، وشهد فتح القادسية واستشهد بها في خلافة عمر رضي الله عنه ، واسم أم مكتوم : عاتكة بنت عبد الله

( أما أحكام الفصل ) فلا يجوز لغير الصبح قبل وقتها بلا خلاف لما ذكره قال الشافعي في الأم والأصحاب : لو أوقع بعض كلمات الأذان لغير الصبح قبل الوقت وبعضها في الوقت لم يصح بل عليه استئناف الأذان كله . هذا هو المشهور وقال الشيخ أبو محمد في كتابه الفروق : قال الشافعي رحمه الله : لو وقع بعض كلمات الأذان قبل الزوال وبعضها بعده بني على الواقع في الوقت ، قال : ومراده قوله في آخر الأذان : الله أكبر الله أكبر ، فيأتي بعده بالتكبير مرتين ، ثم الشهادة إلى آخره ولا يحتاج إلى أربع تكبيرات وليس مراده أن غير ذلك يستحب له ، فإن الترتيب واجب ، قال : ولا يضر قوله : لا إله إلا الله بين التكبيرات ; لأنه لو خلل بينها كلاما يسيرا لا يضر ، فالذكر أولى . ونقل الشيخ أبو علي السنجي في شرح التلخيص عن الأصحاب نحو هذا ، ويجوز للصبح قبل وقتها بلا خلاف ، واختلف أصحابنا في الوقت الذي يجوز فيه من الليل على خمسة أوجه أصحها - وهو قول أكثر أصحابنا - وبه قطع معظم العراقيين يدخل وقت أدائها من نصف الليل .

( والثاني ) أنه قبيل طلوع الفجر في السحر ، وبه قطع البغوي وصححه القاضي حسين والمتولي وهذا ظاهر المنقول عن بلال وابن أم مكتوم

( والثالث ) يؤذن في الشتاء لسبع يبقى من الليل ، وفي الصيف لنصف سبع نقله إمام الحرمين وآخرون من الخراسانيين ، ورجحه الرافعي على خلاف عادته في التحقيق . [ ص: 97 ]

( والرابع ) أنه يؤذن بعد وقت العشاء المختار ، وهو ثلث الليل في قول ، ونصفه في قول حكاه القاضي حسين وصاحبا الإبانة والتتمة والبيان وغيرهم .

( والخامس ) جميع الليل وقت لأذان الصبح ، حكاه إمام الحرمين وصاحب العدة والبيان وآخرون وهو في غاية الضعف بل غلط . قال إمام الحرمين لولا علو قدر الحاكي له وهو الشيخ أبو علي وأنه لا ينقل إلا ما صح وتنقح عنده لما استجزت نقل هذا الوجه . وكيف يحسن الدعاء لصلاة الصبح في وقت الدعاء إلى المغرب ، والسرف في كل شيء مطرح ؟ هذا كلام الإمام والظاهر أن صاحب هذا القول لا يقوله على الإطلاق الذي ظنه إمام الحرمين بل إنما يجوزه بعد مضي صلاة العشاء الآخرة وقطعة من الليل .

وأما الوجه الذي نقله الخراسانيون أنه يؤذن في الشتاء لسبع يبقى ، وفي الصيف لنصف سبع ، فهو أيضا تقييد باطل ، وكأنهم بنوه على حديث باطل نقله الغزالي وغيره عن سعد القرظ الصحابي قال { كان الأذان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في الشتاء لسبع يبقى من الليل ، وفي الصيف لنصف سبع } وهذا الحديث باطل غير معروف عند أهل الحديث . وقد رواه الشافعي في القديم بإسناد ضعيف عن سعد القرظ قال { أذنا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم بقباء ، وفي زمن عمر رضي الله عنه بالمدينة فكان أذاننا في الصبح في الشتاء لسبع ونصف يبقى من الليل ، وفي الصيف لسبع يبقى منه } وهذا المنقول مع ضعفه مخالف لقول صاحب هذا الوجه فالصحيح اعتبار نصف الليل كما سبق والله أعلم . وأما الإقامة فلا يصح تقديمها على وقت الصلاة ، ولا على إرادة الدخول فيها ولا بد من هذين الشرطين ، وهما دخول الوقت وإرادة الدخول في الصلاة .

فإن أقام قبيل الوقت بجزء لطيف بحيث دخل الوقت عقب الإقامة ثم شرع في الصلاة عقب ذلك لم تصح إقامته ، وإن كان ما فصل بينها وبين الصلاة لكونها وقعت قبل الوقت ، وقد نص في الأم على هذا ، وإن أقام في الوقت وأخر الدخول في الصلاة بطلت إقامته إن طال الفصل ; لأنها تراد للدخول في الصلاة فلا يجوز الفصل والله أعلم . [ ص: 98 ] فرع ) قال أصحابنا : السنة أن يؤذن للصبح مرتين ، إحداهما قبل الفجر ، والأخرى عقب طلوعه لقوله صلى الله عليه وسلم { إن بلالا يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم } والأفضل أن يكونا مؤذنان ، يؤذن واحد قبل الفجر والآخر بعده ، فإن اقتصر على أذان واحد جاز أن يكون قبل الفجر وأن يكون بعده ، وجاز أن يكون بعض الكلمات قبل الفجر وبعضها بعده إذا لم يطل بينهما فصل ، وإذا اقتصر على أذان واحد فالأفضل أن يكون بعد الفجر على ما هو المعهود في سائر الصلوات ، والله أعلم . ( فرع ) في مذاهب العلماء في الأذان للصبح وغيرها أما غيرها فلا يصح الأذان لها قبل وقتها بإجماع المسلمين ، نقل الإجماع فيه ابن جرير وغيره .

وأما الصبح فقد ذكرنا أن مذهبنا جوازه قبل الفجر وبعده ، وبه قال مالك والأوزاعي وأبو يوسف وأبو ثور وأحمد وإسحاق وداود وقال الثوري وأبو حنيفة ومحمد لا يجوز قبل الفجر . وحكى ابن المنذر عن طائفة أنه يجوز أن يؤذن قبل الفجر إن كان يؤذن بعده ، واحتج لأبي حنيفة وموافقيه بحديث ابن عمر رضي الله عنهما { أن بلالا رضي الله عنه أذن قبل الفجر فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يرجع فينادي ألا إن العبد نام ألا إن العبد نام ثلاثا } دليلنا حديث ابن عمر رضي الله عنه أن بلالا " يؤذن بليل " وهو في الصحيحين كما سبق ، وفي الصحيح أحاديث كثيرة بمعناه . وأما حديث ابن عمر الذي احتجوا به ، فرواه أبو داود والبيهقي وغيرهما وضعفوه . .

التالي السابق


الخدمات العلمية