صفحة جزء
قال المصنف رحمه الله تعالى ( والمستحب أن يكون المؤذن حرا بالغا لما روى ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعا : { يؤذن لكم خياركم } وقال عمر رضي الله عنه لرجل : " من مؤذنوكم ؟ فقال موالينا أو عبيدنا فقال : إن ذلك لنقص كبير " والمستحب أن يكون عدلا ; لأنه أمين على المواقيت ، ولأنه يؤذن على موضع عال ، فإذا لم يكن أمينا لا يؤمن أن ينظر إلى العورات ) .


( الشرح ) قوله : روى ابن عباس مرفوعا أي : مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم تقديره قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا الحديث رواه أبو داود وابن ماجه والبيهقي بإسناد فيه ضعف ، وأما الأثر المذكور عن عمر فرواه البيهقي وهذا الرجل الذي قال له عمر من مؤذنوكم ؟ هو قيس بن أبي حازم التابعي الجليل روى عن العشرة ، ولا يعرف أحد روى عن العشرة غيره ، وقيل لم يسمع عبد الرحمن بن عوف ، وقوله : موالينا أو عبيدنا هكذا هو في المهذب ( أو عبيدنا ) بأو ، وفي سنن البيهقي ( وعبيدنا ) بالواو . وأما الأحكام ففيه مسائل : ( إحداها ) يصح أذان العبد كما يصح خبره لكن الحر أولى ; لأنه أكمل ، قال صاحب الحاوي : قال الشافعي رحمه الله : والعبد في الأذان كالحر قال : فاحتمل مراده بذلك أمرين : أحدهما : أنه يجوز أن يكون مؤذنا كالحر . والثاني : أنه يسن له الأذان والإقامة لصلاته كالحر وهذا صحيح ; لأن مسنونات الصلاة وفروضها يستوي فيها الحر والعبد ، لكن إن أراد أن يؤذن لنفسه لم يلزمه استئذان سيده ; لأن ذلك لا يضر بخدمة السيد ، وإن أراد أن يكون مؤذنا للجماعة لم يجز إلا بإذن سيده ، ; لأن فيه إضرارا بخدمته ; لأنه يحتاج إلى مراعاة الأوقات .

[ ص: 110 ] الثانية ) سبق أن المذهب الصحيح صحة أذان الصبي المميز ويتأدى به الشعار وفرض الكفاية إذا قلنا به ، ولكن البالغ أولى منه . وقد سبق أن جماعة من أصحابنا قالوا : يكره أن يكون مؤذنا ; لأن فيه تغريرا فإنه يخالف غلطه .

( الثالثة ) ينبغي أن يكون المؤذن عدلا ذا صيانة في دينه ومروءته ، لما ذكره المصنف فإن كان فاسقا صح أذانه وهو مكروه ، واتفق أصحابنا على أنه مكروه ، وممن نص عليه البندنيجي وابن الصباغ والروياني وصاحب العدة وغيرهم ، قال أصحابنا : وإنما يصح أذانه في تحصيل وظيفة الأذان ولا يجوز تقليده وقبول خبره في دخول الوقت ; لأن خبره غير مقبول . قال صاحب العدة : فإن أذن خصي أو مجبوب فلا كراهة فيه ، قال الشافعي رحمه الله في الأم : ومن أذن من عبد ومكاتب أجزأ قال : وكذلك الخصي والمجبوب والأعجمي إذا أفصح بالأذان وعلم الوقت ، قال : وأحب أن يكون المؤذنون خيار الناس . ( فرع ) قال الإمام الشافعي في الأم والمختصر " وأحب أن لا يجعل مؤذن الجماعة إلا عدلا ثقة " قال صاحب الحاوي : قيل جمع بينهما تأكيدا ، وقيل أراد عدلا إن كان حرا ، ثقة إن كان عبدا ; لأن العبد لا يوصف بالعدالة وإنما يوصف بالثقة والأمانة ، وقيل : أراد عدلا في دينه ثقة في معرفته بالمواقيت .

التالي السابق


الخدمات العلمية