صفحة جزء
[ ص: 160 ] قال المصنف - رحمه الله تعالى - باب ما يفسد الماء من النجاسة وما لا يفسده ( إذا وقعت في الماء نجاسة لا يخلو : إما أن يكون راكدا أو جاريا أو بعضه راكدا وبعضه جاريا ، فإن كان راكدا نظرت في النجاسة ، فإن كانت نجاسة يدركها الطرف من خمر أو بول أو ميتة لها نفس سائلة ; نظرت ، فإن تغير أحد أوصاف الماء من طعم أو لون أو رائحة بالنجاسة . فهو نجس لقوله صلى الله عليه وسلم : { الماء طهور لا ينجسه شيء إلا ما غير طعمه أو ريحه } فنص على الطعم والريح ، وقسنا اللون عليهما ; لأنه في معناهما ) .


( الشرح ) هذا الحكم الذي ذكره وهو نجاسة الماء المتغير بنجاسة مجمع عليه ، قال ابن المنذر : أجمعوا أن الماء القليل أو الكثير إذا وقعت فيه نجاسة فغيرت طعما أو لونا أو ريحا ، فهو نجس ، ونقل الإجماع كذلك جماعات من أصحابنا وغيرهم ، وسواء كان الماء جاريا أو راكدا قليلا أو كثيرا ، تغير تغيرا فاحشا أو يسيرا ، طعمه أو لونه أو ريحه ، فكله نجس بالإجماع ، وقد سبق في المتغير بطاهر : أنه لا يعتبر التغير اليسير على الأصح ، وأنه يعتبر تغير الأوصاف الثلاثة على قول ضعيف ، وتقدم الفرق ، ويستثنى مما ذكرناه ما إذا تغير الماء بميتة لا نفس لها سائلة كثرت فيه ، فإنه لا ينجس عن وجه ضعيف مع قولنا بنجاسة هذا الحيوان ، لكن لما كان هذا الوجه ضعيفا لم يلتفت الأصحاب إليه فلم يستثنوه ، وأما الحديث الذي ذكره المصنف فضعيف لا يصح الاحتجاج به ، وقد رواه ابن ماجه والبيهقي من رواية أبي أمامة وذكرا فيه : طعمه أو ريحه أو لونه ، واتفقوا على ضعفه ، ونقل الإمام الشافعي - رحمه الله - تضعيفه عن أهل العلم بالحديث ، وبين البيهقي ضعفه ، وهذا الضعف في آخره وهو الاستثناء .

وأما قوله : الماء طهور لا ينجسه شيء فصحيح من رواية أبي سعيد الخدري وسبق بيانه في أول الباب الأول ، وإذا علم ضعف الحديث تعين [ ص: 161 ] الاحتجاج بالإجماع كما قاله البيهقي وغيره من الأئمة ، وقد أشار إليه الشافعي أيضا فقال : الحديث لا يثبت أهل الحديث مثله ولكنه قول العامة لا أعلم بينهم فيه خلافا ، وأما قول المصنف : فنص على الطعم والريح وقسنا اللون عليهما فكأنه قاله ; لأنه لم يقف على الرواية التي فيها اللون وهي موجودة في سنن ابن ماجه والبيهقي كما قدمنا ، فإن قيل : لعله رآها فتركها لضعفها ، قلنا : هذا لا يصح ; لأنه لو راعى الضعف واجتنبه لترك جملة الحديث لضعفه المتفق عليه ، والله أعلم .

( فرع ) لو وقعت جيفة في ماء كثير فتروح بها بالمجاورة ولم ينحل منها شيء فوجهان . الصحيح الذي صرح به كثيرون واقتضاه كلام الباقين : أنه نجس ، ونقله إمام الحرمين عن دلالة كلام الأئمة وصححه ; لأنه يعد متغيرا بالنجاسة ومستقذرا ، وقال الشيخ أبو محمد : طاهر ; لأنه مجاور فأشبه الجيفة خارج الماء

التالي السابق


الخدمات العلمية