صفحة جزء
قال المصنف رحمه الله تعالى ( والمستحب أن يترسل في الأذان ، ويدرج الإقامة لما روي عن ابن الزبير مؤذن بيت المقدس أن عمر رضي الله عنه قال : " إذا أذنت فترسل وإذا أقمت فاحذم " ولأن الأذان للغائبين فكان الترسل فيه أبلغ والإقامة للحاضرين فكان الإدراج فيه أشبه ، ويكره التمطيط وهو التمديد [ والتغني ] وهو التطريب لما روي أن رجلا قال لابن عمر " إني لأحبك في الله قال : وأنا أبغضك في الله إنك تبغي في أذانك " قال حماد يعني التطريب ) .


( الشرح ) هذا الحكم الذي ذكره متفق عليه ، وهكذا نص عليه الشافعي في الأم قال : وكيفما أتى بالأذان والإقامة أجزأ ، غير أن الاختيار ما وصفت ، هذا نصه ، واتفق أصحابنا على أنه يجزيه كيف أتى به قال الشاشي في المعتمد : الصواب أن يكون صوته بتحزين وترقيق ليس فيه جفاء كلام الأعراب ولا لين كلام المتماوتين ، وهذا الأثر المذكور عن عمر رضي الله عنه رواه البيهقي ورواه أبو عبيد في غريب الحديث وروي مرفوعا من رواية أبي هريرة وجابر ، ووقع في المهذب ( وإذا أقمت فاحذم ) بحاء مهملة وذال معجمة مكسورة وبعدها ميم وهمزته همزة وصل ، ورواه البيهقي من طريقين أحدهما هكذا ، والثاني : فاحذر بالراء بدل الميم [ ص: 118 ] ومعناهما واحد وهو الإسراع وترك التطويل ، قال ابن فارس : كل شيء أسرعت فيه فقد حذمته ، وأما الأثر المذكور عن ابن عمر فرواه أبو بكر بن أبي داود السجستاني في كتابه المغازي ، وقال فيه : تختال في أذانك بدل تبغي . وجاء في الترسل حديثان أحدهما عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم { قال لبلال : إذا أذنت فترسل وإذا أقمت فاحدر } رواه الترمذي وضعفه ، وعن علي رضي الله عنه قال : { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا أن نرسل الأذان ونحدر الإقامة } رواه الدارقطني بإسناد ضعيف وقوله : يترسل قال أهل اللغة : هو الترتيل والتأني وترك العجلة . قال الأزهري : المترسل المتمهل في تأذينه ، ويبين كلامه تبيينا يفهمه كل من سمعه ، قال : وهو من قولك : جاء على رسله وفعل كذا على رسله أي : على هيئته غير مستعجل ولا متعب نفسه ، وقوله يدرج هو بضم الياء وكسر الراء ، ويجوز فتح الياء وضم الراء لغتان مشهورتان ، ويقال درجته أيضا بالتشديد ثلاث لغات حكاهن الأزهري عن ابن الأعرابي . قال : أفصحهن أدرجته ، وكذا اختاره المصنف بقوله : الإدراج أشبه . قال الأزهري وغيره وأصحابنا : إدراج الإقامة هو أن يصل بعضها ببعض ، ولا يترسل ترسله في الأذان ، وأصل الإدراج والدرج الطي . وقوله : البغي هو بفتح الباء الموحدة وإسكان الغين المعجمة وهو المبالغة في رفع الصوت ومجاوزة الحد ، قال الأزهري : البغي أن يكون في رفع صوته يحكي كلام الجبابرة والمتكبرين والمتفيهقين قال : والبغي في كلام العرب الكبر ، والبغي الضلال ، والبغي الفساد . قال صاحب الحاوي : البغي تفخيم الكلام والتشادق فيه ، قال : ويكره تلحين الأذان ; لأنه يخرجه عن الإفهام ولأن السلف تجافوه ، وإنما أحدث بعدهم وقوله : ( أنك تبغي في أذانك ) يجوز فتح همزة أنك وكسرها والفتح أحسن للتعليل ، وقوله : تبغي هو بفتح التاء وإسكان الباء وكسر الغين ، وابن الزبير المذكور لا يعرف اسمه ، كذا قاله الحاكم أبو أحمد وغيره ، وقوله : بيت المقدس فيه لغتان مشهورتان فتح الميم وإسكان القاف وكسر الدال ، والثانية : المقدس بضم الميم وفتح القاف والدال المشددة ، وهو مشتق من القدس وهو الطهر [ ص: 119 ] ويقال فيه القدس والقدس بإسكان الدال وضمها وإيليا وغير ذلك ، وقد أوضحته في تهذيب الأسماء .

التالي السابق


الخدمات العلمية