صفحة جزء
[ ص: 123 ] قال المصنف رحمه الله تعالى ( والمستحب لمن سمع المؤذن أن يقول مثل ما يقول إلا في الحيعلتين فإنه يقول : لا حول ولا قوة إلا بالله لما روى عمر رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { إذا قال المؤذن : الله أكبر الله أكبر ، فقال أحدكم : الله أكبر الله أكبر ثم قال : أشهد أن لا إله إلا الله ، فقال : أشهد أن لا إله إلا الله ثم قال : أشهد أن محمدا رسول الله ، فقال : أشهد أن محمدا رسول الله ، ثم قال : حي على الصلاة ، فقال : لا حول ولا قوة إلا بالله ، ثم قال : حي على الفلاح ، فقال : لا حول ولا قوة إلا بالله ، ثم قال : الله أكبر الله أكبر ، فقال : الله أكبر الله أكبر ، ثم قال : لا إله إلا الله فقال : لا إله إلا الله خالصا من قلبه دخل الجنة . } فإن سمع ذلك وهو في الصلاة لم يأت بها في الصلاة فإذا فرغ أتى بها ، فإن كان في قراءة أتى بها ، ثم رجع إلى القراءة لأنها تفوت ، والقراءة لا تفوت ، ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم لما روى عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول ، ثم صلوا علي فإنه من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشرا } ثم يسأل الله تعالى الوسيلة فيقول : اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت [ سيدنا ] محمدا الوسيلة والفضيلة وابعثه مقاما محمودا الذي وعدته ، لما روى جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { من قال حين يسمع النداء ذلك حلت له شفاعتي يوم القيامة } وإن كان الأذان للمغرب قال : " اللهم هذا إقبال ليلك وإدبار نهارك وأصوات دعاتك اغفر لي " ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أم سلمة رضي الله عنها أن تقول ذلك ، ويدعو الله تعالى بين الأذان والإقامة لما روى أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { إن الدعاء لا يرد بين الأذان والإقامة } ) .


( الشرح ) حديثا عمر وعبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهم رواهما مسلم باللفظ الذي ذكره ، وحديث جابر رواه البخاري بلفظه هذا ، وحديث أم سلمة رواه أبو داود والترمذي ، وفي إسناده مجهول ، وحديث أنس رواه أبو داود والترمذي ، وقال حديث حسن . وفي صحيح مسلم عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { من قال حين يسمع المؤذن : أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا [ ص: 124 ] عبده ورسوله ، رضيت بالله ربا وبمحمد رسولا وبالإسلام دينا غفر له ذنبه } وقوله : الوسيلة هي منزلة في الجنة ثبت في صحيح مسلم عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : { إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول ، ثم صلوا علي ، فإنه من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشرا ، ثم سلوا الله لي الوسيلة فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله ، وأرجو أن أكون أنا هو فمن سأل لي الوسيلة حلت له الشفاعة } .

وقوله : الدعوة التامة هي بفتح الدال وهي دعوة الأذان سميت دعوة تامة لكمالها وعظم موقعها وسلامتها من نقص يتطرق إلى غيرها ، وقوله : الصلاة القائمة أي : التي ستقوم أي : تقام وتحضر ، قوله : مقاما محمودا وهكذا هو في المهذب مقاما محمودا بالتنكير ، وكذا هو في صحيح البخاري وجميع كتب الحديث ، وهو صحيح ويكون قوله : الذي وعدته بدلا منه ، أو منصوبا بفعل محذوف تقديره أعني الذي وعدته ، أو مرفوعا خبر مبتدأ محذوف ، أي : هو الذي وعدته .

وأما ما وقع في التنبيه وكثير من كتب الفقه " المقام المحمود " فليس بصحيح في الرواية وإنما أراد النبي صلى الله عليه وسلم التأدب مع القرآن ، وحكاية لفظه في قول الله عز وجل : { عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا } فينبغي أن يحافظ على هذا وقوله صلى الله عليه وسلم " حلت له شفاعتي " أي : غشيته ونالته ونزلت به وقيل حقت له .

( أما أحكام الفصل ) فقال أصحابنا يستحب للمؤذن أن يقول بعد فراغ أذانه هذه الأذكار المذكورة من الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم وسؤال الوسيلة والدعاء بين الأذان والإقامة ، والدعاء عند أذان المغرب ، ويستحب لسامعه أن يتابعه في ألفاظ الأذان ويقول عند الحيعلتين " لا حول ولا قوة إلا بالله " فإذا فرغ من متابعته استحب له أيضا أن يقول هذه الأذكار المذكورة كلها ، ويقول إذا سمع قول المؤذن " الصلاة خير من النوم " صدقت وبررت هذا هو المشهور . وحكى الرافعي وجها أنه يقول : صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة خير من النوم . ويستحب أن يتابعه [ ص: 125 ] في ألفاظ الإقامة ، إلا أنه يقول في كلمة الإقامة أقامها الله وأدامها . هكذا قطع به الأصحاب ، إلا الغزالي فحكى في البسيط عن صاحب التقريب وجها أنه لا يستحب متابعته إلا في كلمة الإقامة .

وهذا شاذ ضعيف . قال أصحابنا : ويستحب أن يتابع المؤذن في كل كلمة عقب فراغ المؤذن منها ولا يقارنه ولا يؤخر عن فراغه من الكلمة ، ويدل عليه حديث عمر رضي الله عنه ويقول " لا حول ولا قوة إلا بالله " أربع مرات في الأذان ، ومرتين في الإقامة فيقولها عقب كل مرة من قول المؤذن " حي على الصلاة ، حي على الفلاح " ويقول في التثويب صدقت وبررت مرتين ، ذكرهالروياني في الحلية . وغيره . وتستحب الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد الفراغ ، ثم سؤال الوسيلة بعدها للمؤذن والسامع ، وكذا الدعاء بين الأذان والإقامة يستحب لهما ولغيرهما . قال أصحابنا : وإنما استحب للمتابع أن يقول مثل المؤذن في غير الحيعلتين ليدل على رضاه به وموافقته في ذلك ، وأما الحيعلة فدعاء إلى الصلاة ، وهذا لا يليق بغير المؤذن فاستحب للمتابع ذكر آخر ، فكان لا حول ولا قوة إلا بالله ; لأنه تفويض محض إلى الله تعالى . وثبت في الصحيحين عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { لا حول ولا قوة إلا بالله كنز من كنوز الجنة } قال أصحابنا : ويستحب متابعته لكل سامع من طاهر ومحدث وجنب وحائض وكبير وصغير ; لأنه ذكر . وكل هؤلاء من أهل الذكر ، ويستثنى من هذا المصلي ومن هو على الخلاء والجماع ، فإذا فرغ من الخلاء والجماع تابعه ، صرح به صاحب الحاوي وغيره ، فإذا سمعه وهو في قراءة أو ذكر أو درس علم أو نحو ذلك قطعه وتابع المؤذن ، ثم عاد إلى ما كان عليه إن شاء .

. وإن كان في صلاة فرض أو نفل قال الشافعي والأصحاب : لا يتابعه في الصلاة فإذا فرغ منها قاله .

وحكى الخراسانيون في استحباب متابعته في حال الصلاة قولا . وهو شاذ ضعيف ، فإذا قلنا بالمذهب أنه لا يتابعه فتابعه فقولان ، أصحهما يكره ، والثاني : أنه خلاف الأولى . وقيل إنه مباح لا يستحب فعله ولا تركه ولا يكره ، وهذا اختيار الشيخ أبي علي السنجي وإمام الحرمين والمذهب [ ص: 126 ] كراهته . فإذا تابعه في ألفاظ الأذكار وقال في الحيعلتين : لا حول ولا قوة إلا بالله لم تبطل صلاته ; لأنها أذكار والصلاة لا يبطلها الأذكار . وإن قال في الحيعلة حي على الصلاة حي على الفلاح ، فهذا كلام آدمي ، فإن كان عالما بأنه في الصلاة وأن هذا كلام آدمي بطلت صلاته ، وإن كان ناسيا للصلاة لم تبطل ، وإن كان عالما بالصلاة جاهلا بأن ذلك كلام آدمي وأنه ممنوع منه ففي بطلان صلاته وجهان حكاهما القاضي حسين في تعليقه وغيره ، أصحهما لا تبطل ، وبه قطع الأكثرون ، منهم الشيخ أبو حامد وصاحب الحاوي والمحاملي وصاحب الشامل والإبانة والمتولي وصاحب العدة . قالوا : ويسجد للسهو الناسي وكذا الجاهل إذا لم تبطلها ; لأنه تكلم في صلاته ناسيا . قال القاضي حسين ولو قال في متابعته في التثويب صدقت وبررت فهو كقوله : حي على الصلاة ; لأنه كلام آدمي ، قال وكذا لو قال مثله : الصلاة خير من النوم ، قال : ولو قال صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم لم تبطل صلاته . ولو قال : قد قامت الصلاة بطلت صلاته ، كما لو قال حضرت الصلاة ، ولو قال أقامها الله أو اللهم أقمها وأدمها لم تبطل صلاته . هذا كلام القاضي وهو كما قال . واتفقوا على أنه لا يتابعه إذا كان في أثناء قراءة الفاتحة فإن ذلك مكروه ، وممن نقل الاتفاق عليه إمام الحرمين قالوا : فلو تابع فيها وجب استئناف القراءة بلا خلاف ; لأنه غير مستحب بخلاف ما لو أمن فيها لتأمين الإمام فإنه لا يوجب الاستئناف على الأصح ; لأن التأمين مستحب قال صاحب الشامل : قال أبو إسحاق وليس التأكيد في متابعة المؤذن بعد فراغ المصلي كالتأكيد في متابعة من ليس هو في صلاة . قال صاحب الحاوي ولو سمعه وهو في الطواف تابعه وهو على طوافه ; لأن الطواف لا يمنع الكلام .

( فرع ) إذا سمع مؤذنا بعد مؤذن ، هل يختص استحباب المتابعة بالأول ؟ أم يستحب متابعة كل مؤذن ؟ فيه خلاف للسلف حكاه القاضي عياض في شرح صحيح مسلم ، ولم أر فيه شيئا لأصحابنا ، والمسألة محتملة ، والمختار أن يقال : المتابعة سنة متأكدة يكره تركها لصريح الأحاديث الصحيحة بالأمر بها ، وهذا يختص بالأول ; لأن الأمر لا يقتضي التكرار ، وأما أصل الفضيلة والثواب في المتابعة فلا يختص والله أعلم .

[ ص: 127 ] فرع ) مذهبنا أن المتابعة سنة ليست بواجبة وبه قال جمهور العلماء ، وحكى الطحاوي خلافا لبعض السلف في إيجابها وحكاه القاضي عياض .

( فرع ) مذهبنا ومذهب الجمهور أنه يتابع المؤذن في جميع الكلمات . وعن مالك روايتان إحداها كالجمهور ، والثانية يتابعه إلى آخر الشهادتين فقط ; لأنه ذكر لله تعالى وما بعده بعضه ليس بذكر وبعضه تكرار لما سبق ، وحجة الجمهور حديث عمر رضي الله عنه .

( فرع ) لم أر لأصحابنا كلاما في أنه هل يستحب متابعة المؤذن في الترجيع أم لا ؟ ويحتمل أن يقال لا يستحب ; لأنه لا يسمعه ، ويحتمل أن يقال يستحب لقوله صلى الله عليه وسلم { إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول } والترجيع مما يقول ، ولم يقل فقولوا مثل ما تسمعون ، وهذا الاحتمال أظهر وأحوط .

( فرع ) من رأى المؤذن وعلم أنه يؤذن ولم يسمعه لبعد أو صمم الظاهر أنه لا تشرع له المتابعة ; لأن المتابعة معلقة بالسماع ، والحديث مصرح باشتراطه ، وقياسا على تشميت العاطس فإنه لا يشرع إلا لمن يسمع تحميده . ( فرع ) لمن سمع المؤذن ولم يتابعه حتى فرغ ، لم أر لأصحابنا تعرضا له ; لأنه هل يستحب تدارك المتابعة ؟ والظاهر أنه يتدارك على القرب ولا يتدارك بعد طول الفصل ، وقد قال إمام الحرمين لو سمعه وهو في الصلاة فلم يتابعه ينبغي أن يأتي بالأذكار بمجرد السلام . فلو طال الفصل فهو كترك سجود السهو ، فيه تفصيل في موضعه .

( فرع ) قد ذكرنا أن مذهبنا المشهور أنه يكره للمصلي متابعته في الصلاة ، وسواء صلاة الفرض والنفل ، وبه قال جماعة من السلف . وعن مالك ثلاث روايات إحداها يتابعه ، والثانية يتابعه في النافلة دون الفرض .

التالي السابق


الخدمات العلمية