صفحة جزء
قال المصنف رحمه الله تعالى

( وأما طهارة البدن عن النجاسة فهي شرط في صحة الصلاة ، والدليل عليها قوله صلى الله عليه وسلم { : تنزهوا من البول فإن عامة عذاب القبر منه } )


( الشرح ) هذا الحديث سبق بيانه في باب إزالة النجاسة ، ومذهبنا أن إزالة النجاسة شرط في صحة الصلاة فإن علمها لم تصح صلاته بلا خلاف ، وإن نسيها أو جهلها فالمذهب أنه لا تصح صلاته ، وفيه خلاف نذكره حيث ذكره المصنف في أواخر الباب ، وسواء صلاة الفرض والنفل وصلاة الجنازة وسجود التلاوة والشكر ، فإزالة النجاسة شرط لجميعها ، هذا مذهبنا وبه قال أبو حنيفة وأحمد وجمهور العلماء من السلف والخلف ، وعن مالك في إزالة النجاسة ثلاث روايات أصحها وأشهرها أنه إن صلى عالما بها لم تصح صلاته ، وإن كان جاهلا أو ناسيا صحت ، وهو قول قديم عن الشافعي ( والثانية ) لا تصح الصلاة علم أو جهل أو نسي . ( والثالثة ) تصح [ ص: 140 ] الصلاة مع النجاسة ، وإن كان عالما متعمدا ، وإزالتها سنة . ونقل أصحابنا عن ابن عباس وسعيد بن جبير نحوه ، واتفق الشيخ أبو حامد والقاضي أبو الطيب وعامة العلماء على أن إزالتها شرط إلا مالكا واحتج لمالك بحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال { بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بأصحابه إذ خلع نعليه فوضعهما عن يساره فلما رأى القوم ذلك ألقوا نعالهم ، فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاته قال : ما حملكم على إلقائكم نعالكم ؟ قالوا : رأيناك ألقيت نعليك فألقينا نعالنا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن جبريل عليه السلام أتاني فأخبرني أن فيهما قذرا } رواه أبو داود بإسناد صحيح ، ورواه الحاكم في المستدرك وقال : هو صحيح على شرط مسلم ، وفي رواية لأبي داود " خبثا " بدل " قذرا " وفي رواية غيره " قذرا أو أذى " وفي رواية " دم حلمة " . واحتج الجمهور بقول الله تعالى { وثيابك فطهر } والأظهر أن المراد ثيابك الملبوسة وأن معناه طهرها من النجاسة ، وقد قيل في الآية غير هذا ، لكن الأرجح ما ذكرناه ونقله صاحب الحاوي عن الفقهاء ، وهو الصحيح وبحديث " تنزهوا من البول " وهو حسن كما سبق وبقوله صلى الله عليه وسلم { إذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة ، وإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم وصلي } رواه البخاري ومسلم وسبق بيانه ، وبحديث ابن عباس قال { مر النبي صلى الله عليه وسلم بقبرين فقال : إنهما يعذبان وما يعذبان في كبير ، أما أحدهما فكان لا يستنزه من بوله ، وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة } رواه البخاري ومسلم وبالقياس على طهارة الحدث والجواب عن حديث أبي سعيد من وجهين . ( أحدهما ) أن القذر هو الشيء المستقذر . كالمخاط والبصاق والمني والبول وغيره فلا يلزم أن يكون نجسا . ( الثاني ) لعله كان دما يسيرا ، أو شيئا يسيرا من طين الشوارع ، وذلك معفو عنه والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية