صفحة جزء
قال المصنف رحمه الله تعالى ( وإن حمل حيوانا طاهرا في صلاته صحت صلاته ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم حمل أمامة بنت أبي العاص في صلاته ; ولأن ما في الحيوان من النجاسة في معدن النجاسة فهو كالنجاسة التي في جوف المصلي ، وإن حمل قارورة فيها نجاسة وقد سد رأسها ففيها وجهان ، أحدهما : يجوز ; لأن النجاسة لا تخرج منها فهو كما لو حمل حيوانا طاهرا ، والمذهب : أنه لا يجوز ; لأنه حمل نجاسة غير معفو عنها في غير معدنها فأشبه إذا حمل النجاسة في كمه ) .


( الشرح ) حديث أمامة رواه البخاري ومسلم وهي أمامة بنت زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم واسم أبي العاص مهشم بكسر الميم وإسكان الهاء وفتح الشين المعجمة ، وقيل : لقيط ، وقيل ياسر ، وقيل : القاسم بن الربيع بن عبد العزى بن عبد مناف القرشية كان النبي صلى الله عليه وسلم [ ص: 157 ] يحبها تزوجها علي بن أبي طالب بعد وفاة فاطمة ، وكانت فاطمة أوصته بذلك رضي الله عنهم .

( أما حكم المسألة ) فإذا حمل حيوانا طاهرا لا نجاسة على ظاهره في صلاته صحت صلاته ، بلا خلاف ، وإن حمل حيوانا مذبوحا بعد غسل موضع الدم وما على ظاهره من النجاسة لم تصح صلاته بلا خلاف ، وفيه وجه في البحر صرح به الأصحاب منهم القاضي أبو الطيب ; لأن في باطنه نجاسة لا حاجة إلى استصحابها بخلاف الحي ، ولو تنجس منفذ الحيوان الحي كطائر ونحوه فحمله ففي صحة صلاته وجهان ( أصحهما ) عند الغزالي الصحة ، ويعفى عنه كالباقي على محل نجو المصلي ( وأصحهما ) عند إمام الحرمين لا يصح ، وبه قطع المتولي وهو الأصح لعدم الحاجة إلى احتمالها ، ولو وقع هذا الحيوان في ماء قليل أو مائع لم ينجسه في أصح الوجهين وقد سبقت هذه المسألة في باب المياه .

ولو حمل بيضة صار باطنها دما وظاهرها طاهرا أو حمل عنقودا صار باطن حباته خمرا ولا رشح على ظاهره لم تصح صلاته في أصح الوجهين ، ويجري الوجهان في كل استتار خلقي .

أما إذا حمل قارورة مصممة الرأس برصاص أو نحوه وفيها نجاسة فلا تصح صلاته على الصحيح وفيه وجه مشهور ، ودليلهما مذكور في الكتاب ، والقائل بالصحة أبو علي بن أبي هريرة ذكره صاحب الحاوي والقاضي أبو الطيب وإمام الحرمين والغزالي وغيرهم .

وإن كان رأسها مسدودا بخرقة لم تصح صلاته بلا خلاف ، وإن كان بشمع فطريقان . أحدهما : كالخرقة . والثاني : كالرصاص ، هذا ما ذكره الأصحاب ، واتفقوا على أن المسدودة بخرقة لا تصح الصلاة معها ، وقد أطلق المصنف المسألة فليحمل كلامه على المصممة برصاص وكذا قال صاحب البيان : ينبغي أن يحمل على الرصاص ليوافق الأصحاب .

. ( فرع ) لو حمل المصلي مستجمرا بالأحجار لم تصح صلاته في أصح الوجهين ; لأنه غير محتاج إليه ، وحديث أمامة رضي الله عنها محمول [ ص: 158 ] على أنها كانت قد نجيت بالماء ، ولو حمل من عليه نجاسة معفو عنها ففيه الوجهان لما ذكرناه ، ويقرب منه من استنجى بالأحجار وعرق موضع النجو فتلوث به غيره ففي صحة صلاته وجهان ، ولكن الأصح هنا الصحة لعسر الاحتراز منه ، بخلاف حمل غيره . والله أعلم . .

التالي السابق


الخدمات العلمية