صفحة جزء
[ ص: 193 ] باب استقبال القبلة قال المصنف رحمه الله تعالى

( استقبال القبلة شرط في صحة الصلاة إلا في حالين : في شدة الخوف ، وفي النافلة في السفر ، والأصل فيه قوله تعالى : { فول وجهك شطر المسجد الحرام ، وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره } ) .


( الشرح ) استقبال القبلة شرط لصحة الصلاة إلا في الحالين المذكورين على تفصيل يأتي فيهما في موضعهما ، وهذا لا خلاف بين العلماء فيه من حيث الجملة وإن اختلف في تفصيله . والمراد بالمسجد الحرام هنا الكعبة نفسها . وشطر الشيء يطلق على جهته ونحوه ويطلق على نصفه . والمراد هنا الأول . واعلم أن المسجد الحرام قد يطلق ويراد به الكعبة فقط ، وقد يراد به المسجد حولها معها ، وقد يراد به مكة كلها ، وقد يراد به مكة مع الحرم حولهما بكماله ، وقد جاءت نصوص الشرع بهذه الأقسام الأربعة ، فمن الأول قول الله تعالى : { فول وجهك شطر المسجد الحرام } ومن الثاني قول النبي صلى الله عليه وسلم { : صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام } وقوله صلى الله عليه وسلم : { لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد } إلى آخره ومن الرابع قوله تعالى : { إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام } وأما الثالث وهو مكة فقال المفسرون : هو المراد بقوله تعالى { سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى } وكان الإسراء من دور مكة . وقول الله تعالى : { ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام } قيل : مكة ، وقيل : الحرم ، وهما وجهان لأصحابنا سنوضحهما في كتاب الحج إن شاء الله تعالى ، وقول الله تعالى { : والمسجد الحرام الذي جعلناه للناس سواء العاكف فيه والباد } هو عند الشافعي ومن وافقه المسجد حول الكعبة [ ص: 194 ] مع الكعبة فلا يجوز بيعه ولا إجارته ، والناس فيه سواء . وأما دور مكة وسائر بقاعها فيجوز بيعها وإجارتها . وحمله أبو حنيفة ومن وافقه على جميع الحرم فلم يجوزوا بيع شيء منه ولا إجارته وستأتي المسألة إن شاء الله تعالى مبسوطة حيث ذكرها المصنف في باب ما يجوز بيعه ، فهذا مختصر ما يتعلق بالمسجد ، وقد بسطته في تهذيب الأسماء واللغات والله أعلم .

( فرع ) في بيان أصل استقبال الكعبة عن البراء بن عازب رضي الله عنهما { أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة صلى قبل بيت المقدس ستة عشر شهرا أو سبعة عشر شهرا ، وكان يعجبه أن تكون قبلته قبل البيت ، وأنه أول صلاة صلاها صلاة العصر ، وصلى معه قوم فخرج رجل ممن صلى معه فمر على أهل مسجد وهم راكعون فقال : أشهد بالله لقد صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل مكة فداروا كما هم قبل البيت } رواه البخاري ومسلم . وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال : { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بمكة نحو بيت المقدس ، والكعبة ، بين يديه وبعد ما هاجر إلى المدينة ستة عشر شهرا ثم صرف إلى الكعبة } رواه أحمد بن حنبل في مسنده . قال أهل اللغة : أصل القبلة الجهة ، وسميت الكعبة قبلة ; لأن المصلي يقابلها وتقابله .

التالي السابق


الخدمات العلمية