صفحة جزء
قال المصنف رحمه الله تعالى ( فإن كان بحضرة البيت لزمه التوجه إلى عينه لما روى أسامة بن زيد رضي الله عنهما { أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل البيت ولم يصل ، وخرج وركع ركعتين قبل الكعبة وقال : هذه القبلة . } )


[ ص: 195 ] الشرح ) حديث أسامة رواه البخاري ومسلم من رواية أسامة ، ومن رواية ابن عباس . وقوله : قبل الكعبة هو بضم القاف والباء ، ويجوز إسكان الباء ، قيل : معناه ما استقبلك منها ، وقيل : مقابلها ، وفي رواية ابن عمر في الصحيح في هذا الحديث { فصلى ركعتين في وجه الكعبة } وهذا هو المراد بقبلها ، وقوله صلى الله عليه وسلم : " هذه القبلة " قال الخطابي معناه أن أمر القبلة قد استقر على هذا البيت فلا ينسخ بعد اليوم فصلوا إليه أبدا فهو قبلتكم ، قال : ويحتمل أنه علمهم سنة موقف الإمام وأنه يقف في وجهها دون أركانها ، وإن كانت الصلاة في جميع جهاتها مجزئة ، هذا كلام الخطابي ويحتمل معنى ثالثا وهو أن معناه هذه الكعبة هي المسجد الحرام الذي أمرتم باستقباله لا كل الحرم ولا مكة ولا المسجد الذي حول الكعبة ، بل هي الكعبة نفسها فقط ، والله أعلم .

وقوله ( دخل البيت ولم يصل ) قد روى بلال " أنه صلى الله عليه وسلم صلى في الكعبة " رواه البخاري ومسلم ، وأخذ العلماء برواية بلال ; لأنها زيادة ثقة ; ولأنه مثبت فقدم على النافي ، ومعنى قول أسامة لم يصل ، لم أره صلى ، وسبب قوله أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل الكعبة هو وبلال وأسامة وعثمان بن شيبة وأغلق الباب وصلى ، فلم يره أسامة لإغلاق الباب ، ولاشتغاله بالدعاء والخضوع . وقوله " بحضرة البيت " يجوز فتح الحاء وضمها وكسرها ثلاث لغات مشهورات .

( أما حكم المسألة ) فإن كان بحضرة الكعبة لزمه التوجه إلى عينها لتمكنه منه وله أن يستقبل أي جهة منها أراد ، فلو وقف عند طرف ركن - وبعضه يحاذيه وبعضه يخرج عنه - ففي صحة صلاته وجهان ( أصحهما ) لا تصح قال الإمام : وبه قطع الصيدلاني ; لأنه لم يستقبلها كله ، ولو استقبل الحجر بكسر الحاء ولم يستقبل الكعبة فوجهان مشهوران حكاهما صاحب الحاوي والبحر وآخرون ( أحدهما ) تصح صلاته ; لأنه من البيت للحديث الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { الحجر من البيت } رواه مسلم ، وفي رواية { ست أذرع من الحجر من البيت } ولأنه لو طاف فيه لم يصح طوافه ، وأصحهما بالاتفاق : لا تصح صلاته ; لأن كونه من البيت مظنون غير [ ص: 196 ] مقطوع به ، ولو وقف الإمام بقرب الكعبة والمأمومون خلفه مستديرين بالكعبة جاز ، ولو وقفوا في آخر المسجد وامتد صف طويل جاز ، وإن وقف بقربه وامتد الصف فصلاة الخارجين عن محاذاة الكعبة باطلة .

التالي السابق


الخدمات العلمية