صفحة جزء
قال المصنف رحمه الله تعالى ( وإن لم يكن بحضرة البيت نظرت - فإن عرف القبلة صلى إليها ; وإن أخبره من يقبل خبره عن علم قبل قوله ولا يجتهد ، كما يقبل الحاكم النص من الثقة ولا يجتهد ، وإن رأى محاريب المسلمين في بلد صلى إليها ولا يجتهد ; لأن ذلك بمنزلة الخبر ) .


( الشرح ) إذا غاب عن الكعبة وعرفها صلى إليها ، وإن جهلها فأخبره من يقبل خبره لزمه أن يصلي بقوله : ولا يجوز الاجتهاد ، وقد تقدم في باب الشك في باب نجاسة الماء بيان من يقبل خبره ، وأنه يدخل فيه الحر والعبد والمرأة بلا خلاف ، ولا يقبل خبر الكافر في القبلة بلا خلاف . وأما الصبي المميز فالمشهور أنه لا يقبل خبره ونقل القاضي حسين وصاحبا التهذيب والتتمة فيه نصين للشافعي ( أحدهما ) يقبل ( والثاني ) لا . قالوا : فمن أصحابنا من قال في قبول قوله هنا قولان للنصين ، وقال القفال فيه وجهان ، وكذا في قبول روايته حديث النبي صلى الله عليه وسلم وغيره الوجهان ، الأصح لا يقبل . ومنهم من قال : النصان على حالين ، فإن دله على المحراب أو أعلمه بدليل قبل منه ، وإن أخبره باجتهاد فلا يقبل منه . وأما الفاسق ففيه طريقان ( المشهور ) أنه لا يقبل خبره هنا كسائر أخباره ، وبهذا قطع البغوي والأكثرون ( والثاني ) في قبوله وجهان لعدم التهمة هنا ، وممن حكى الوجهين فيه القاضي حسين وصاحب التتمة وآخرون ، واختار صاحب التتمة القبول ، وقد سبق في باب الشك في نجاسة الماء أن الكافر والفاسق يقبل قولهما في الإذن في دخول الدار وحمل الهدية ، أما المحراب فيجب اعتماده ولا يجوز معه الاجتهاد . ونقل صاحب الشامل إجماع المسلمين على هذا ، واحتج له أصحابنا بأن المحاريب لا تنصب إلا [ ص: 201 ] بحضرة جماعة من أهل المعرفة بسمت الكواكب والأدلة ، فجرى ذلك مجرى الخبر .

واعلم أن المحراب إنما يعتمد بشرط أن يكون في بلد كبير أو في قرية صغيرة يكثر المارون بها بحيث لا يقرونه على الخطأ ، فإن كان في قرية صغيرة لا يكثر المارون بها لم يجز اعتماده ، هكذا ذكر هذا التفصيل جماعة منهم صاحب الحاوي والشيخ أبو محمد الجويني في كتابه التبصرة وصاحبا التهذيب والتتمة وآخرون ، وهو مقتضى كلام الباقين .

قال صاحب التهذيب : لو رأى علامة في طريق يقل فيه مرور الناس أو في طريق يمر فيه المسلمون والمشركون ولا يدري من نصبها ، أو رأى محرابا في قرية لا يدري بناه المسلمون أو المشركون ؟ أو كانت قرية صغيرة للمسلمين اتفقوا على جهة يجوز وقوع الخطأ لأهلها ؟ فإنه يجتهد في كل هذه الصور ولا يعتمده ، وكذا قال صاحب التتمة : لو كان في صحراء أو قرية صغيرة أو مسجد في برية لا يكثر به المارة فالواجب عليه الاجتهاد ، قال : ولو دخل بلدا قد خرب وانجلى أهله فرأى فيه محاريب ، فإن علم أنها من بناء المسلمين اعتمدها ولم يجتهد ، وإن احتمل أنها من بناء المسلمين واحتمل أنها من بناء الكفار لم يعتمدها بل يجتهد ، ونقل الشيخ أبو حامد في تعليقه هذا التفصيل في البلد الخراب عن أصحابنا كلهم .

( فرع ) قال أصحابنا : إذا صلى في مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم فمحراب رسول الله صلى الله عليه وسلم في حقه كالكعبة ، فمن يعاينه يعتمده ، ولا يجوز العدول عنه بالاجتهاد بحال ، ويعني بمحراب رسول الله صلى الله عليه وسلم مصلاه وموقفه ; لأنه لم يكن ( هذا المحراب هو المعروف ) في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وإنما أحدثت المحاريب بعده . قال أصحابنا : وفي معنى محراب المدينة سائر البقاع التي صلى فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ضبط المحراب ، وكذا المحاريب المنصوبة في بلاد المسلمين بالشرط السابق ، فلا يجوز الاجتهاد في هذه المواضع في الجهة بلا خلاف . [ ص: 202 ] وأما الاجتهاد في التيامن والتياسر فإن كان محراب رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يجز بحال ، وإن كان في سائر البلاد ففيه أوجه ( أصحها ) يجوز ، قال الرافعي وبه قطع الأكثرون ( والثاني ) لا يجوز في الكوفة خاصة ( والثالث ) لا يجوز فيها ولا في البصرة لكثرة من دخلها من الصحابة .

( فرع ) قال أصحابنا : الأعمى يعتمد المحراب بمس إذا عرفه بالمس حيث يعتمده البصير ، وكذا البصير في الظلمة ، وفيه وجه أن الأعمى إنما يعتمد محرابا رآه قبل العمى ، ولو اشتبه على الأعمى مواضع لمسها صبر حتى يجد من يخبره فإن خاف فوت الوقت صلى على حسب حاله وتجب الإعادة .

التالي السابق


الخدمات العلمية