صفحة جزء
قال المصنف رحمه الله تعالى ( وأما في شدة الخوف والتحام القتال فيجوز أن يترك القبلة إذا اضطر إلى تركها ، يصلي حيث أمكنه لقوله تعالى { فإن خفتم فرجالا أو ركبانا } قال ابن عمر رضي الله عنهما : " مستقبلي القبلة وغير مستقبليها " ولأنه فرض اضطر إلى تركه فصلى مع تركه كالمريض إذا عجز عن القيام ) .


( الشرح ) هذا الذي نقله عن ابن عمر رواه البخاري في صحيحه ، لكن سياقه مخالف لهذا ، فرواه عن نافع أن ابن عمر كان إذا سئل عن صلاة الخوف قال : يتقدم الإمام وطائفة من الناس فذكر صفتها قال : فإن كان خوف هو أشد من ذلك صلوا رجالا قياما على أقدامهم أو ركبانا مستقبلي القبلة أو غير مستقبليها قال نافع : لا أرى ابن عمر ذكر ذلك إلا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا لفظ البخاري ذكره في كتاب التفسير من [ ص: 212 ] صحيحه . قال أبو الحسن الواحدي رحمه الله في تفسير الآية : فإن خفتم - أي : عدوا - قال : والرجال جمع راجل كصاحب وصحاب ، وهو الكائن على رجله ماشيا كان أو واقفا ، قال : وجمعه رجل ورجالة ورجالة ورجال ورجال ، والركبان جمع راكب كفارس وفرسان ، قال : ومعنى الآية فإن لم يمكنكم أن تصلوا قائمين موفين للصلاة حقوقها فصلوا مشاة وركبانا ، فإن ذلك يجزيكم ، قال المفسرون : هذا في حالة المسايفة والمطاردة . قال ابن عمر في تفسير هذه الآية : مستقبلي القبلة وغير مستقبليها هذا آخر كلام الواحدي ، فصرح بأن كلام ابن عمر تفسير للآية وهو ظاهر عبارة المصنف ، والصواب أن هذا ليس تفسيرا للآية ، بل هو بيان حكم من أحكام صلاة الخوف وهو ظاهر ما نقلناه من رواية البخاري . ( أما حكم المسألة ) فيجوز في حال شدة الخوف الصلاة إلى أي جهة أمكنه ، ويجوز ذلك في الفرض والنفل ، وسيأتي مبسوطا في باب صلاة الخوف إن شاء الله تعالى . وقول المصنف : ولأنه فرض اضطر إلى تركه أراد بقوله : فرض أنه شرط فإن استقبال القبلة شرط . وليس مراده أنه يجب عليه الاستقبال ، فإنا لو حملناه على هذا لم تدخل فيه صلاة النافلة فإنه يستبيحها في شدة الخوف إلى غير القبلة كالفريضة ، صرح به صاحب التهذيب وغيره . قال صاحب الحاوي : ولو أمكنه أن يصلي في شدة الخوف قائما إلى غير القبلة أو راكبا إلى القبلة صلى راكبا إلى القبلة ولم يجز أن يصلي إلى غير القبلة قائما ; لأن استقبال القبلة آكد من القيام ، ولهذا سقط القيام في النفل مع القدرة بلا عذر ، ولم يسقط الاستقبال بلا عذر .

التالي السابق


الخدمات العلمية