صفحة جزء
قال المصنف رحمه الله تعالى ( ثم ينوي والنية فرض من فروض الصلاة لقوله صلى الله عليه وسلم { إنما الأعمال بالنيات ولكل امرئ ما نوى } ولأنها قربة محضة فلم تصح من غير نية كالصوم ، ومحل النية القلب ، فإن نوى بقلبه دون لسانه أجزأه . ومن أصحابنا من قال : ينوي بالقلب ويتلفظ باللسان ، وليس بشيء ; لأن النية هي القصد بالقلب ) .


[ ص: 241 ] الشرح ) حديث { إنما الأعمال بالنيات } رواه البخاري ومسلم من رواية عمر بن الخطاب رضي الله عنه . وسبق بيانه في أول نية الوضوء . وقوله " قربة محضة " فلم يصح من غير نية كالصوم ، إنما قاس عليه ; لأنه ورد فيه نص خاص { لا صيام لمن لم يجمع الصيام من الليل } وهذا القياس ينتقض بإزالة النجاسة فإنها قربة محضة ، فكان ينبغي أن يقول طريقها الأفعال كما قاله في نية الوضوء ليحترز عن إزالة النجاسة .

( أما حكم المسألة ) فالنية فرض لا تصح الصلاة إلا بها ، ونقل ابن المنذر في كتابه الأشراف وكتاب الإجماع والشيخ أبو حامد الإسفراييني والقاضي أبو الطيب وصاحب الشامل ومحمد بن يحيى وآخرون إجماع العلماء على أن الصلاة لا تصح إلا بالنية . وحكى صاحب البيان رواية عن أحمد ليست بصحيحة عنه أنه ينظر أوجبها فإن نوى بقلبه ولم يتلفظ بلسانه أجزأه على المذهب ، وبه قطع الجمهور ، وفيه الوجه الذي ذكره المصنف وذكره غيره . وقال صاحب الحاوي : هو قول أبي عبد الله الزبيري أنه لا يجزئه حتى يجمع بين نية القلب وتلفظ اللسان ; لأن الشافعي - رحمه الله - قال في الحج : إذا نوى حجا أو عمرة أجزأه ، وإن لم يتلفظ وليس كالصلاة لا تصح إلا بالنطق . قال أصحابنا : غلط هذا القائل ، وليس مراد الشافعي بالنطق في الصلاة هذا ، بل مراده التكبير ولو تلفظ بلسانه ولم ينو بقلبه لم تنعقد صلاته بالإجماع فيه . كذا نقل أصحابنا بالإجماع فيه . ولو نوى بقلبه صلاة الظهر وجرى على لسانه صلاة العصر انعقدت صلاة الظهر .

( فرع ) اختلف أصحابنا في النية هل هي فرض أم شرط ؟ فقال المصنف والأكثرون : هي فرض من فروض الصلاة وركن من أركانها ، كالتكبير والقراءة والركوع وغيرها ، وقال جماعة : هي شرط كاستقبال القبلة والطهارة . وبهذا قطع القاضي أبو الطيب في تعليقه وابن الصباغ واختاره [ ص: 242 ] الغزالي وحكاه الشيخ أبو حامد في تعليقه في أول باب ما يجزئ من الصلاة . وقال ابن القاص والقفال : استقبال القبلة ركن ، والصحيح المشهور أنه شرط لا ركن ، والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية