صفحة جزء
قال المصنف رحمه الله تعالى ( وإن نوى الخروج من الصلاة أو نوى أنه سيخرج أو شك هل يخرج أم لا بطلت صلاته ; لأن النية شرط في جميع الصلاة ، وقد قطع ذلك بما أحدث فبطلت صلاته كالطهارة إذا قطعها بالحدث ) .


( الشرح ) قال أصحابنا : العبادات في قطع النية على أضرب :

( الضرب الأول ) الإسلام والصلاة فيبطلان بنية الخروج منهما وبالتردد في أنه يخرج أم يبقى ، وهذا لا خلاف فيه ، والمراد بالتردد : أن يطرأ شك مناقض جزم النية ، وأما ما يجري في الفكر أنه لو تردد في الصلاة كيف يكون الحال ؟ فهذا مما يبتلى به الموسوس فلا تبطل به الصلاة قطعا . قاله إمام الحرمين وغيره . قال الإمام : وقد يقع ذلك في الإيمان بالله تعالى فلا تأثير له ولا اعتبار به ، ولو نوى في الركعة الأولى الخروج من الصلاة في الركعة الثانية ، أو علق الخروج بشيء يوجد في صلاته قطعا بطلت صلاته في الحال . هذا هو المذهب ، وبه قطع الجمهور وفيه وجه شاذ حكاه إمام الحرمين عن الشيخ أبي علي السنجي أنها لا تبطل في الحال ، بل لو رفض هذا التردد قبل الانتهاء إلى الغاية المنوية صحت صلاته . ولو علق الخروج بدخول شخص ونحوه مما يحتمل حصوله في الصلاة وعدمه فوجهان أصحهما : تبطل كما لو دخل في الصلاة هكذا ، فإنها لا تنعقد بلا خلاف ، وكما لو علق به الخروج عن الإسلام - والعياذ بالله تعالى - فإنه يكفر في الحال بلا خلاف ، والثاني : لا تبطل في الحال ، فعلى هذا إن وجدت الصفة وهو ذاهل عن التعليق ففي بطلانها وجهان :

( أحدهما ) لا تبطل قاله الشيخ أبو محمد ; لأنه في الحال غافل ، والنية الأولى لم تؤثر ، ( وأصحهما ) تبطل ، وبه قطع الشيخ أبو علي السنجي والأكثرون .

قال إمام الحرمين : ويظهر على هذا أن يقال تبين بالصفة بطلانها من حين [ ص: 248 ] التعليق ، أما إذا وجدت وهو ذاكر للتعليق فتبطل بلا خلاف ، ولو نوى في الركعة الأولى أن يتكلم في الثانية أو يأكل أو يفعل فعلا مبطلا للصلاة لم تبطل في الحال بلا خلاف ، قال أصحابنا : وهذا مراد الشافعي رحمه الله بقوله : ولا تبطل الصلاة بعمل القلوب . والفرق بين هذا وبين من نوى تعليق النية أو قطعها في الركعة الثانية أنه مأمور بجزم النية في كل صلاته ، وهذا ليس بجازم . وأما من نوى الفعل فالذي يحرم عليه أن يأتي بفعل مناف للصلاة ولم يأت به فإذا أتى به بطلت ، قال أصحابنا : ومثل هذا إذا دخل الإمام في صلاة الخوف بنية أن يصلي بكل فرقة ركعة من الرباعية ، وقلنا : تبطل صلاة الإمام فإنها لا تبطل في الحال ، وإنما تبطل بالانتظار الثالث على تفصيل فيه معروف فقد نوى في أول صلاته أن يفعل في أثنائها فعلا مبطلا ، ولم تبطل في الحال والله أعلم .

( الضرب الثاني ) الحج والعمرة : فإذا نوى الخروج منهما ونوى قطعهما لم ينقطعا بلا خلاف ، ولأنه لا يخرج منهما بالإفساد .

( الضرب الثالث ) الصوم والاعتكاف فإذا جزم في أثنائهما بنية الخروج منهما ففي بطلانهما وجهان مشهوران ، وقد ذكرهما المصنف في بابيهما ، أصحهما لا يبطل كالحج وصحح المصنف في الصوم البطلان ووافقه عليه كثيرون ولكن الأكثرين قالوا : لا تبطل ، ولو تردد الصائم في قطع نية الصوم والخروج منه أو علقه على دخول شخص ونحوه فطريقان :

( أحدهما ) على الوجهين فيمن جزم بالخروج منه .

( والثاني ) - وهو المذهب وبه قطع الأكثرون : لا تبطل وجها واحدا .

( الضرب الرابع ) الوضوء فإن نوى قطعه في أثنائه لم يبطل ما مضى منه على أصح الوجهين ، ولكن يحتاج إلى نية لما بقي ، وإن نوى قطعه بعد الفراغ منه لم يبطل على المذهب كما لو نوى قطع الصلاة والصوم والاعتكاف والحج بعد فراغها فإنها لا تبطل بلا خلاف وقيل : في بطلان الوضوء وجهان ; لأن أثره باق فإنه يصلي به بخلاف الصلاة وغيرها ، وقد سبق بيان هذه المسألة مستقصى في آخر باب نية الوضوء ، وذكرنا هناك مسائل كثيرة تتعلق بالنية في الصلاة وفي سائر العبادات وبالله التوفيق .

[ ص: 249 ] فرع ) في مذاهب العلماء فيمن نوى الخروج من الصلاة : مذهبنا أنها تبطل وبه قال مالك وأحمد ، وقال أبو حنيفة لا تبطل .

التالي السابق


الخدمات العلمية