صفحة جزء
قال المصنف رحمه الله تعالى ( ويستحب أن يرفع يديه مع تكبيرة الإحرام حذو منكبيه ، لما روى ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم { كان إذا افتتح الصلاة رفع يديه حذو منكبيه وإذا كبر للركوع ، وإذا رفع رأسه من الركوع ) } .


( الشرح ) حديث ابن عمر رواه البخاري ومسلم ، وأجمعت الأمة على استحباب رفع اليدين في تكبيرة الإحرام ، ونقل ابن المنذر وغيره الإجماع فيه ونقل العبدري عن الزيدية أنه لا يرفع يديه عند الإحرام ، والزيدية لا يعتد بهم في الإجماع ، ونقل المتولي عن بعض العلماء أنه أوجب الرفع ، ورأيت أنا فيما علق من فتاوى القفال أن الإمام البارع في الحديث والفقه أبا الحسن أحمد بن سيار المروزي من متقدمي أصحابنا في طبقة المزني قال : إذا لم يرفع يديه لتكبيرة الإحرام لا تصح صلاته ; لأنها واجبة فوجب الرفع بخلاف باقي التكبيرات لا يجب الرفع لها ; لأنها غير واجبة ، وهذا الذي قاله مردود بإجماع من قبله .

وأما محل الرفع فقال الشافعي في الأم ومختصر المزني والأصحاب : يرفع حذو منكبيه ، والمراد أن تحاذي راحتاه منكبيه . قال الرافعي والمذهب أنه [ ص: 263 ] يرفعهما بحيث يحاذي أطراف أصابعه أعلى أذنيه ، وإبهاماه شحمتي أذنيه وراحتاه منكبيه وهذا معنى قول الشافعي والأصحاب رحمهم الله : يرفعهما حذو منكبيه ، وهكذا قاله المتولي والبغوي والغزالي ، وقد جمع الشافعي بين الروايات بما ذكرناه ، وكذا نقل القاضي أبو الطيب في تعليقه وآخرون عن الشافعي أنه جمع بين الروايات الثلاث بهذا ، قال الرافعي وأما قول الغزالي في الوجيز فيه ثلاثة أقوال فمنكر لا يعرف لغيره . ونقل إمام الحرمين في المسألة قولين :

( أحدهما ) يرفع حذو المنكبين :

( والثاني ) حذو الأذنين ، وهذا الثاني غريب عن الشافعي وإنما حكاه أصحابنا العراقيون وغيرهم عن أبي حنيفة وعدوه من مسائل الخلاف ، وقد روى الرفع إلى حذو المنكبين مع ابن عمر أبو حميد الساعدي رواه البخاري ، ورواه أبو داود أيضا من رواية علي رضي الله عنه . وروى مالك بن الحويرث أن النبي صلى الله عليه وسلم { كان إذا كبر رفع يديه حتى يحاذي بهما أذنيه } وفي رواية " فروع أذنيه " رواه مسلم وعن وائل بن حجر نحوه رواه مسلم ، وفي رواية لأبي داود في حديث وائل { رفع يديه حتى كانتا حيال منكبيه ، وحاذى بإبهاميه أذنيه } لكن إسنادها منقطع ; لأنه من رواية عبد الجبار بن وائل عن أبيه ولم يسمع منه . وقيل أنه ولد بعد وفاة أبيه ، وذكر البغوي في شرح السنة أن الشافعي - رحمه الله - جمع بين رواية المنكبين ورواية الأذنين على ما في هذه الرواية ، وهي ضعيفة أيضا عن وائل : " رفع إبهاميه إلى شحمتي أذنيه " والمذهب الرفع حذو المنكبين كما قدمناه ، ورجحه الشافعي والأصحاب بأنه أصح إسنادا وأكثر رواية ; لأن الرواية اختلفت عمن روى إلى محاذاة الأذنين بخلاف من روى حذو المنكبين والله أعلم .

( فرع ) في مذاهب العلماء في محل رفع اليدين : ذكرنا أن مذهبنا المشهور أنه يرفع حذو منكبيه ، وبه قال عمر بن الخطاب وابنه رضي الله عنهما ومالك وأحمد وإسحاق وابن المنذر . وقال أبو حنيفة حذو أذنيه ، وعن أحمد رواية أنه يتخير بينهما ولا فضيلة لأحدهما ، وحكاه ابن المنذر عن بعض أهل الحديث واستحسنه ، وحكى العبيدي عن طاوس أنه رفع يديه حتى تجاوز بهما رأسه ، وهذا باطل لا أصل له . .

التالي السابق


الخدمات العلمية