صفحة جزء
قال المصنف رحمه الله تعالى : ( ثم يقرأ بعد الفاتحة سورة وذلك سنة ، والمستحب : أن يقرأ في الصبح بطوال المفصل ، لما روي " أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ فيها بالواقعة " فإن كان [ في ] يوم الجمعة استحب أن يقرأ فيها { الم تنزيل } السجدة ، و ( { هل أتى على الإنسان } ) ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ ذلك ويقرأ في الأوليين من الظهر بنحو ما يقرأ في الصبح ، لما روى أبو سعيد الخدري رضي الله عنه قال : { حزرنا قيام رسول الله صلى الله عليه وسلم في الظهر والعصر ، فحزرنا قيامه في الركعتين الأوليين من الظهر بقدر ثلاثين آية قدر الم تنزيل السجدة ، وحزرنا قيامه في الأخيرتين على النصف من ذلك ، وحزرنا قيامه في الأوليين من العصر على قدر الأخيرتين من الظهر ، وحزرنا قيامه في الأخيرتين من العصر على النصف من ذلك ) } .

( ويقرأ في الأوليين من العصر بأوساط المفصل لما رويناه من حديث أبي سعيد ، رضي الله عنه ويقرأ في الأوليين من العشاء الآخرة بنحو ما يقرأ في [ ص: 344 ] العصر لما روي عنه عليه السلام أنه قرأ في العشاء الآخرة سورة الجمعة والمنافقين ، ويقرأ في الأوليين من المغرب بقصار المفصل ، لما روى أبو هريرة رضي الله عنه : { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في المغرب بقصار المفصل } ، فإن خالف وقرأ غير ما ذكرناه جاز لما روى رجل من جهينة أنه { سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في الصبح إذا زلزلت الأرض } ) .


( الشرح ) الذي أختاره أن أقدم جملة من الأحاديث الواردة في السورة بعد الفاتحة ، فيحصل منها بيان ما ذكره المصنف وغيره ، وما يحتاج في الاستدلال به في ذلك إن شاء الله تعالى ، فأما الظهر والعصر فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : { كانت الصلاة تقام فينطلق أحدنا إلى البقيع فيقضي حاجته ثم يأتي أهله ، ثم يرجع إلى المسجد ورسول الله صلى الله عليه وسلم في الركعة الأولى } ، رواه مسلم ، وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أيضا : { أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في صلاة الظهر في الركعتين الأوليين في كل ركعة قدر ثلاثين آية ، وفي الأخريين قدر خمس عشرة آية ، أو قال : نصف ذلك ، وفي العصر في الركعتين الأوليين في كل ركعة قدر خمس عشرة آية ، وفي الأخريين قدر نصف ذلك } .

رواه مسلم وعن أبي سعيد أيضا قال : { حزرنا قيام رسول الله صلى الله عليه وسلم في الظهر والعصر ، فحزرنا قيامه في الركعتين الأوليين من الظهر بقدر ثلاثين آية قدر { الم تنزيل } السجدة ، وحزرنا قيامه في الركعتين الأخيرتين على النصف من ذلك ، وحزرنا قيامه في الأوليين من العصر على قدر الأخيرتين من الظهر ، وحزرنا قيامه في الأخيرتين من العصر على النصف من ذلك } رواه مسلم .

وعن جابر بن سمرة رضي الله عنهما قال : { كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في الظهر ب الليل إذا يغشى ، وفي العصر بنحو ذلك ، وفي الصبح أطول من ذلك ، } رواه مسلم ، وعنه : { أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الظهر { سبح اسم ربك الأعلى } ، وفي الصبح أطول من ذلك } رواه مسلم . وعنه { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الظهر [ ص: 345 ] والعصر بالسماء ذات البروج ، { والسماء والطارق } ونحوهما من السور . }

رواه أبو داود والترمذي ، وقال : حديث حسن والنسائي ، وعن البراء رضي الله عنه قال : { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بنا الظهر فنسمع منه الآية بعد الآيات من سورة لقمان والذاريات } رواه النسائي وابن ماجه بإسناد حسن ، وأما المغرب فعن جبير بن مطعم رضي الله عنه قال : { سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ بالطور في المغرب } رواه البخاري ومسلم . وفي رواية البخاري : " يقرأ في المغرب بالطور " وعن ابن عباس : رضي الله عنهما : { أن أم الفضل - وهي أمه - رضي الله عنهما سمعته وهو يقرأ : { والمرسلات عرفا } ، فقالت : يا بني والله لقد ذكرتني بقراءتك هذه السورة أنها لآخر ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ بها في المغرب } رواه البخاري ومسلم .

وعن مروان بن الحكم قال : { قال لي زيد بن ثابت رضي الله عنه : ما لك تقرأ في المغرب بقصار ؟ وقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ بطولى الطوليين } رواه البخاري . هكذا قال ابن أبي مليكة طولى الطوليين الأعراف والمائدة ، ورواه النسائي بإسناده الصحيح : { أن زيد بن ثابت قال لمروان : أتقرأ في المغرب بقل هو الله أحد وإنا أعطيناك الكوثر ؟ قال : نعم قال - يعني زيدا - فمحلوفة لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ فيها بأطول الطوليين المص } وعن عائشة : رضي الله عنها { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ في صلاة المغرب بسورة الأعراف فرقها في ركعتين } رواه النسائي بإسناد حسن .

وعن سليمان بن يسار عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : " ما صليت وراء أحد أشبه صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم من فلان . قال سليمان : كان يطيل الركعتين الأوليين من الظهر ويخفف الأخيرتين ويخفف العصر ، ويقرأ في المغرب بقصار المفصل ، ويقرأ في العشاء بوسط المفصل ، ويقرأ في الصبح بطوال المفصل " ، رواه النسائي [ ص: 346 ] بإسناد صحيح .

وعن عبد الله الصنابحي : " أنه صلى وراء أبي بكر الصديق رضي الله عنه المغرب يقرأ في الركعتين الأوليين بأم القرآن وسورة من قصار المفصل ، ثم قام في الركعة الثالثة فدنوت حتى أن كاد تمس ثيابي بثيابه ، فسمعته قرأ بأم القرآن وهذه الآية : { ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا ، وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب } رواه مالك في الموطأ بإسناده الصحيح .

وأما العشاء فعن البراء رضي الله عنه قال : { سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في العشاء بالتين والزيتون ، وما سمعت أحدا أحسن منه صوتا وقراءة } ، رواه البخاري ومسلم وعن أبي رافع قال : { صليت مع أبي هريرة العتمة فقرأ { إذا السماء انشقت } فسجد ، فقلت له ، فقال : سجدت خلف أبي القاسم صلى الله عليه وسلم } رواه البخاري ومسلم . وعن جابر : رضي الله عنه { أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لمعاذ حين طول في العشاء : يا معاذ إذا أممت الناس فاقرأ بالشمس وضحاها وسبح اسم ربك الأعلى ، واقرأ بسم ربك ، والليل إذا يغشى } رواه البخاري ومسلم . هذا لفظ إحدى روايات مسلم ، وعن بريدة رضي الله عنه { أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في العشاء الآخرة بالشمس وضحاها ونحوها من السور } ، رواه الترمذي وقال : حديث حسن .

وأما الصبح فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : { كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي الصبح فينصرف الرجل فيعرف جليسه ، وكان يقرأ في الركعتين [ ص: 347 ] أو إحداهما ما بين الستين إلى المائة } رواه البخاري ومسلم ، وهذا لفظ رواية البخاري ، وسائر رواياته وروايات مسلم ، " يقرأ في الفجر ما بين الستين إلى المائة " ، وعن عبد الله بن السائب رضي الله عنه قال : { صلى بنا النبي صلى الله عليه وسلم الصبح بمكة ، فاستفتح سورة المؤمنون حتى جاء ذكر موسى وهارون ، أو حتى جاء ذكر عيسى أخذت النبي صلى الله عليه وسلم سعلة فركع } ، رواه مسلم

وعن قطبة بن مالك : رضي الله عنه { أنه صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم الصبح فقرأ في أول ركعة { والنخل باسقات لها طلع نضيد ، } أو ربما قال في ق } رواه مسلم ، وعن جابر بن سمرة : رضي الله عنه { أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الفجر ب { ق والقرآن المجيد } ، وكان صلاته بعد تخفيفا } رواه مسلم ، وعن ابن حريث رضي الله عنه " أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في الفجر : { والليل إذا عسعس } رواه مسلم .

وعن معاذ بن عبد الله الجهني : أن رجلا من جهينة أخبره أنه { سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في الصبح { إذا زلزلت الأرض } في الركعتين كلتيهما ، فلا أدري أنسي رسول الله صلى الله عليه وسلم أم قرأ ذلك عمدا ؟ ، } رواه أبو داود بإسناد صحيح .

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : { كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في الفجر يوم الجمعة الم تنزيل السجدة ، ، و { هل أتى على الإنسان } } رواه البخاري ومسلم ، ورواه مسلم أيضا عن ابن عباس رضي الله عنهما .

وأما الجمع بين سورتين في ركعة ففيه حديث أبي وائل قال : { جاء رجل إلى ابن مسعود فقال : قرأت المفصل الليلة في ركعة فقال ابن مسعود : رضي الله عنه هذا كهذ الشعر ، لقد عرفت النظائر التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرن بينهن ، فذكر عشرين سورة من المفصل سورتين في كل ركعة } .

رواه البخاري ومسلم ، فهذه جملة من الأحاديث الصحيحة في المسألة ، وفي الصحيح أحاديث كثيرة بنحو ما ذكرناه : وأما الأحاديث الحسنة والضعيفة فيه فلا تنحصر ، والله أعلم [ ص: 348 ]

قال العلماء : واختلاف قدر القراءة في الأحاديث كان بحسب الأحوال ، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يعلم من حال المأمومين في وقت أنهم يؤثرون التطويل فيطول ، وفي وقت لا يؤثرونه لعذر ونحوه فيخفف ، وفي وقت : يريد إطالتها فيسمع بكاء الصبي كما ثبت في الصحيحين ، والله أعلم .

وأما ضبط ألفاظ الكتاب وبيانها فالمفصل سمي بذلك لكثرة الفصول فيه بين سوره ، وقيل : لقلة المنسوخ فيه ، وآخره { قل أعوذ برب الناس ، } وفي أوله مذاهب قيل : ( سورة القتال ) وقيل : من ( الحجرات ) وقيل : من ( ق ) وقال : الخطابي : وروي هذا في حديث مرفوع ، وهذه المذاهب مشهورة ، وحكى القاضي عياض قولا أنه من ( الجاثية ) وهو غريب ، والسورة تهمز ولا تهمز لغتان [ وغير ] الهمز أشهر وأصح . وبه جاء القرآن العزيز .

قوله : ( وقرأ فيها بالواقعة ) هذا الحديث أشار إليه الترمذي فقال : روي : { أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ في الصبح بالواقعة } ، وفيما ذكرناه من الأحاديث الصحيحة كفاية عنه . قوله : يقرأ فيها الم تنزيل السجدة ، أما تنزيل فمرفوعة اللام على حكاية التلاوة ، وأما السجدة فيجوز رفعها على أنها خبر مبتدأ ، ويجوز نصبها على البدل من موضع الم أو بإضمار : أعني . وسورة السجدة ثلاثون آية مكية . وقوله : " يقرأ في الأوليين والأخريين " هو بالياء المثناة من تحت المكررة في : ( حزرنا قيامه في الظهر قدر ثلاثين آية ) يعني : في كل ركعة ، كما سبق بيانه في الرواية الأخرى ، قوله : ( العشاء الآخرة صحيح ) وقد أنكره الأصمعي وقال : لا يقال الآخرة ، وليس كما قال ، بل ثبت في مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { أيما امرأة أصابت بخورا ، فلا تشهد معنا العشاء الآخرة . }

وثبت ذلك عن جماعات من الصحابة ، وقد أوضحته في تهذيب الأسماء ، [ ص: 349 ] أما الأحكام ) فقال الشافعي والأصحاب : يستحب أن يقرأ الإمام والمنفرد بعد الفاتحة شيئا من القرآن في الصبح وفي الأوليين من سائر الصلوات ،ويحصل أصل الاستحباب بقراءة شيء من القرآن ، ولكن سورة كاملة أفضل ، حتى أن سورة قصيرة أفضل من قدرها من طويلة ; لأنه إذا قرأ بعض سورة فقد يقف في غير موضع الوقف ، وهو انقطاع الكلام المرتبط ، وقد يخفى ذلك . قالوا : ويستحب أن يقرأ في الصبح بطوال المفصل ، ( كالحجرات ) ( والواقعة ) وفي الظهر بقريب من ذلك ، وفي العصر والعشاء بأوساطه ، وفي المغرب بقصاره ، فإن خالف وقرأ بأطول أو أقصر من ذلك جاز . ودليله الأحاديث السابقة .

واتفقوا على أنه يسن في صبح يوم الجمعة ( الم تنزيل ) في الركعة الأولى ، ( وهل أتى ) في الثانية للحديث الصحيح السابق ، ويقرأ السورتين بكمالهما ، وهذا الذي ذكرناه من استحباب طوال المفصل وأوساطه هو فيما إذا آثر المأمومون التطويل وكانوا محصورين لا يزيدون وإلا فليخفف .

وقد ذكرنا أن اختلاف الأحاديث في قدر القراءة كان بحسب ، الأحوال ،

ويجوز أن يجمع بين سورتين فأكثر في ركعة للحديث السابق .

قال أصحابنا : والسنة أن يقرأ على ترتيب المصحف متواليا ، فإذا قرأ في الركعة الأولى سورة قرأ في الثانية التي بعدها متصلة بها .

قال المتولي حتى لو قرأ في الأولى { قل أعوذ برب الناس } يقرأ في الثانية من أول البقرة ، ولو قرأ سورة ثم قرأ في الثانية التي قبلها ، فقد خالف الأولى ولا شيء عليه ، والله أعلم .

( فرع ) فيما يتعلق بالسورة للنوافل يستحب في ركعتي سنة الصبح التخفيف ، ثبت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم في الصحيحين في صحيح مسلم : { أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الأولى منهما { قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا } الآية . وفي الثانية : { قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة } الآية } وفي رواية لمسلم { يقرأ فيهما : { قل يا أيها الكافرون } ، و { قل هو الله أحد } } ونص الشافعي في البويطي على استحباب القراءة بهما فيهما .

[ ص: 350 ] وعن ابن عمر قال : { رمقت النبي صلى الله عليه وسلم عشرين مرة يقرأ في الركعتين بعد المغرب والركعتين قبل الفجر : { قل يا أيها الكافرون } ، و { قل هو الله أحد } } رواه النسائي بإسناد جيد إلا أن فيه رجلا اختلفوا في توثيقه وجرحه ، وقد روى له مسلم والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية