صفحة جزء
قال المصنف رحمه الله تعالى : ( وإذا كانت الصلاة تزيد على ركعتين فهل يقرأ السورة فيما زاد على الركعتين ؟ فيه قولان : قال في القديم : ( لا يستحب ) لما روى أبو قتادة : رضي الله عنه { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في صلاة الظهر في الركعتين الأوليين بفاتحة الكتاب وسورة في كل ركعة ، وكان يسمعنا الآية أحيانا ، وكان يطيل في الأولى ما لا يطيل في الثانية ، وكان يقرأ في الركعتين الأخيرتين بفاتحة الكتاب في كل ركعة } .

وقال في الأم : يستحب لما رويناه من حديث أبي سعيد الخدري ; ولأنها ركعة يشرع فيها الفاتحة فيشرع فيها السورة كالأوليين ، ولا يفضل الركعة الأولى على الثانية في القراءة ، وقال أبو الحسن الماسرجسي رحمه الله : يستحب أن تكون قراءته في الأولى من كل صلاة أطول لما رويناه من حديث أبي قتادة ، وظاهر قوله في الأم : أنه لا يفضل ; لما رويناه من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه وحديث أبي قتادة يحتمل أن يكون أطال ; لأنه أحس بداخل ) .


( الشرح ) حديث أبي قتادة رواه البخاري ومسلم ، واسم أبي قتادة : الحارث بن ربعي ، وقيل : النعمان بن ربعي ، وقيل : عمرو بن ربعي الأنصاري السلمي بفتح السين واللام ، توفي بالمدينة سنة سبع وخمسين على الأصح .

[ ص: 351 ] وقوله : ( سمعنا الآية أحيانا ) أي : في نادر من الأوقات ، وهذا محمول على أنه لغلبة الاستغراق في التدبر يحصل الجهر بالآية من غير قصد ، أو أنه فعله لبيان جواز الجهر ، وأنه لا تبطل الصلاة ولا يقتضي سجود سهو أو ليعلمهم أنه يقرأ ، أو أنه يقرأ السورة الفلانية ، وأما أبو الحسن الماسرجسي بفتح السين المهملة وكسر الجيم واسمه : محمد بن علي بن سهل تفقه عليه القاضي أبو الطيب الطبري ، وكان متقنا للمذهب ، وهو أحد أجدادنا في سلسلة الفقه ، توفي رحمه الله سنة ثلاث وثمانين وثلاثمائة ، وقول المصنف : لأنها ركعة يشرع فيها الفاتحة احتراز من ركعة المسبوق .

( أما الأحكام ) فهل يسن قراءة السورة في الركعة الثالثة والرابعة ؟ فيه قولان مشهوران :

( أحدهما ) : وهو قوله في القديم لا يستحب ، قال القاضي أبو الطيب : ونقله البويطي والمزني عن الشافعي ، :

( والثاني ) : يستحب وهو نصه في الأم ، ونقله الشيخ أبو حامد وصاحب الحاوي عن الإملاء أيضا ، واختلف الأصحاب في الأصح منهما ، فقال أكثر العراقيين : الأصح الاستحباب ، ممن صححه الشيخ أبو حامد والمحاملي وصاحب العدة والشيخ نصر المقدسي والشاشي ، وصححت طائفة عدم الاستحباب ، وهو الأصح ، وبه أفتى الأكثرون وجعلوا المسألة من المسائل التي يفتى فيها على القديم قلت : وليس هو قديما فقط ، بل معه نصان في الجديد كما حكيناه عن القاضي أبي الطيب ، واتفق أصحابنا : على أنه إذا قلنا بالسورة في الثالثة والرابعة تكن أخف من الأولى والثانية لحديث أبي سعيد : رضي الله عنه وهل يطول الأولى في القراءة على الثانية من كل الصلوات ؟ فيه وجهان ( أصحهما ) عند المصنف والأكثرين : لا يطول ( والثاني ) : يستحب التطويل لحديث أبي قتادة ، قال القاضي أبو الطيب في تعليقه : الصحيح أن يطول الأولى من كل الصلوات لكنه في الصبح أشد استحبابا قال : وهذا قول الماسرجسي وعامة أصحابنا بخراسان ، وبه قال الثوري ومحمد بن الحسن .

وقال أبو حنيفة : يستحب ذلك في الفجر خاصة قال : والوجه الآخر يسوي بينهما . ذكره أصحابنا العراقيون لنصه في الأم ، قال القاضي : والصحيح أنه يطولها لحديث أبي قتادة وليدركها قاصد الجماعة . [ ص: 352 ] وأما تأويل المصنف : أنه أحس بداخل فضعيف لوجهين :

( أحدهما ) أنه قال : وكان يطيل ، وهذا يشعر بتكرر هذا ، وأنه مقصود على مذهب من يقول : إن كان يقتضي التكرار ( والثاني ) : أن من أحس بداخل وهو في القيام لا يستحب له انتظاره على المذهب ، وإنما اختلفوا في انتظاره في الركوع والتشهد ، والصحيح : استحباب تطويل الأولى كما قاله القاضي أبو الطيب ونقله ، وقد وافقه غيره ، وممن قال به الحافظ الفقيه أبو بكر البيهقي ، وحسبك به معتمدا في هذا ، وإذا قلنا بتطويل الأولى على الثانية فهل يستحب تطويل الثالثة على الرابعة ؟ فيه طريقان . نقل القاضي أبو الطيب الاتفاق على أنها لا تطول لعدم النص فيها ، ولعدم المعنى المذكور في الأولى ، ونقل الرافعي فيها الوجهين ، وإذا قلنا : تسن السورة في الأخيرتين مسنونة للإمام والمأموم والمنفرد ، وفي المأموم وجه ضعيف بناء على أنه لا يقرأ السورة في السرية حكاه المتولي .

( فرع ) قال صاحب التتمة : المتنفل بركعتين تسن له السورة ، والمتنفل بأكثر إن كان يقتصر على تشهد واحد قرأ السورة في كل ركعة ، وإن تشهد تشهدين ، فهل تسن له السورة في الركعات المفعولة بين التشهدين ؟ فيه وجهان بناء على القولين في الأخيرتين من الفرائض .

( فرع ) المسبوق بركعتين من الرباعية نص عليه الشافعي رحمه الله أنه يأتي بهما بالفاتحة وسورتين ، وللأصحاب طريقان :

( أحدهما ) : قاله أبو علي الطبري في استحباب السورة له القولان ; لأنهما آخر صلاته ، وإنما فرعه الشافعي على قوله : تستحب السورة في كل الركعات ، ( والطريق الثاني ) : قاله أبو إسحاق تستحب له السورة قولا واحدا ، وإن قلنا : لا تستحب في الأخيرتين ولا أدرك قراءة الإمام للسورة فاستحب له ، لئلا تخلو صلاته من سورتين .

وهذا الطريق الثاني هو الصحيح عند الأصحاب ، وممن صححه إمام الحرمين وصاحب الشامل وآخرون ، ونقله صاحب الحاوي عن أبي إسحاق وأكثر الأصحاب ، فإن كان ذلك في [ رابعة ] العشاء وثالثة المغرب ، لم يجهر بالقراءة على المذهب ، وبه قطع الجمهور ، وحكى [ ص: 353 ] أبو علي الطبري في الإفصاح والقاضي أبو الطيب في تعليقه وصاحب الشامل والبيان في جهره قولين كالسورة . قال القاضي أبو الطيب : نص في الإملاء أنه يجهر ; لأن الجهر قد فاته فيتداركه كالسر ، ونص في غيره أنه لا يجهر ; لأن سنة آخر الصلاة الإسرار ، فلا يفوته ، وبهذا يحصل الفرق بينه وبين الشيخ أبي محمد في التبصرة لو كان الإمام بطيء القراءة وأمكن المأموم المسبوق أن يقرأ السورة فيما أدرك فقرأها ، لم يعدها في الأخيرتين إذا قلنا : تختص القراءة بالأوليين .

( فرع ) لو قرأ السورة ثم قرأ الفاتحة أجزأته الفاتحة ، ولا تحسب له السورة على المذهب ، وهو المنصوص في الأم ، وبه قطع الأكثرون ، ممن قطع به القاضي أبو الطيب والبندنيجي والمحاملي في المجموع ، والقاضي حسين والفوراني ; لأنه أتى بها في غير موضعها ، وحكى الشيخ أبو محمد الجويني في التبصرة وولده إمام الحرمين والشيخ نصر المقدسي وغيرهم في الاعتداد بالسورة وجهين ; لأن محلها القيام وقد أتى بها فيه .

( فرع ) لو قرأ الفاتحة مرتين وقلنا بالمذهب إن الصلاة لا تبطل بذلك لم تحسب المرة الثانية عن السورة بلا خلاف . صرح به المتولي وغيره ، قال : لأن الفاتحة مشروعة في الصلاة فرضا والشيء الواحد لا يؤدى به فرض ونفل في محل واحد .

( فرع ) قال الشيخ أبو محمد الجويني في كتابه التبصرة : لو ترك الإمام السورة في الأوليين ، فإن تمكن المأموم فقرأها قبل ركوع الإمام حصلت له فضيلة السورة ، وإن لم يتمكن لإسراع الإمام ، وكان يود أن يتمكن فللمأموم ثواب السورة ، وعلى الإمام وبال تقصيره لحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { يصلون لكم ، فإن أصابوا فلكم ولهم ، وإن أخطئوا فلكم وعليهم } .

رواه البخاري ومسلم قال : وربما تأخر المأموم بعد ركوع الإمام لقراءة السورة وهذا خطأ ; لأن المأموم يتعين عليه فرض المتابعة إذا هوى الإمام للركوع فلا يجوز أن يشتغل عن الفرض بنفل . .

( فرع ) في مذاهب العلماء في السورة بعد الفاتحة : مذهبنا أنها سنة ، فلو اقتصر على الفاتحة أجزأته الصلاة ، وبه قال مالك والثوري وأبو حنيفة [ ص: 354 ] وأحمد وكافة العلماء ، إلا ما حكاه القاضي أبو الطيب عن عثمان بن أبي العاص الصحابي رضي الله عنه وطائفة أنه تجب مع الفاتحة سورة أقلها ثلاث آيات ، وحكاه صاحب البيان عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ويحتج له : بأنه من المعتاد من فعل النبي صلى الله عليه وسلم كما تظاهرت به الأحاديث الصحيحة مع قوله : صلى الله عليه وسلم { صلوا كما رأيتموني أصلي } دليلنا قوله : صلى الله عليه وسلم { لا صلاة لمن لم يقرأ بأم القرآن } وظاهره : الاكتفاء بها . وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : " في كل صلاة يقرأ ، فما أسمعنا رسول الله أسمعناكم ، وما أخفى عنا أخفينا ، وإن لم تزد على أم القرآن أجزأت ، وإن زدت فهو خير لك " رواه البخاري ومسلم ، واستدل البيهقي وغيره في هذه المسألة بهذا الأثر عن أبي هريرة رضي الله عنه ولا دلالة فيه لمسألتنا ، فإن الصحابة رضي الله عنهم لا يحتج بعضهم بقول بعض ، وعن ابن عباس رضي الله عنهما { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى ركعتين ولم يقرأ فيهما إلا بفاتحة الكتاب } رواه بإسناد ضعيف .

التالي السابق


الخدمات العلمية