صفحة جزء
قال المصنف رحمه الله تعالى : ( والمستحب أن يقول : سبحان ربي الأعلى ثلاثا ، وذلك أدنى الكمال لما روى عبد الله بن مسعود : رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { إذا سجد أحدكم فقال في سجوده : سبحان ربي الأعلى ثلاثا فقد تم سجوده ، وذلك أدناه } والأفضل : أن يضيف إليه ( اللهم لك سجدت وبك آمنت ولك أسلمت سجد وجهي للذي خلقه وصوره وشق سمعه وبصره ، تبارك الله أحسن الخالقين ) ، لما روى علي كرم الله وجهه قال : " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سجد قال ذلك " وإن قال في سجوده : سبوح قدوس رب الملائكة والروح " فهو حسن لما روت عائشة رضي الله عنها قالت : " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ذلك في سجوده " قال الشافعي رحمه الله : ويجتهد في الدعاء رجاء الإجابة لما روى أبو هريرة : رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال { : أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فأكثروا الدعاء } ، ويكره أن يقرأ في الركوع والسجود ، لما روي عن النبي : صلى الله عليه وسلم { أما إني نهيت أن أقرأ راكعا أو ساجدا ، أما الركوع فعظموا فيه الرب ، وأما السجود فاجتهدوا فيه من الدعاء فقمن أن يستجاب لكم } )


( الشرح ) حديث ابن مسعود ضعيف ، فإنه تمام الحديث السابق في الركوع { إذا قال أحدكم في ركوعه : سبحان ربي العظيم ثلاثا ، فقد تم ركوعه وذلك أدناه ، وإذا قال أحدكم في سجوده : سبحان ربي الأعلى ثلاثا فقد تم سجوده ، وذلك أدناه } رواه أبو داود والترمذي وآخرون ، واتفقوا على تضعيفه ، وسبق في فصل الركوع بيان تضعيفه وبيان معنى " تم ركوعه وذلك أدناه " ، وأما حديث علي وحديث عائشة وحديث أبي هريرة وحديث : " أما إني نهيت أن أقرأ راكعا إلى آخره فرواها كلها مسلم بلفظها هنا ، وحديث : " أما إني نهيت " من رواية ابن عباس رضي الله عنهما .

وأما شرح ألفاظها فتقدم في فصل الركوع بيان حقيقة التسبيح .

وقوله : " وشق سمعه وبصره " استدل به من يقول : الأذن من الوجه ، وقد سبق الجواب عنه في صفة الوضوء ، ومعنى شق سمعه وبصره ، أي منفذهما ، وقوله : " تبارك الله أحسن الخالقين " أي تعالى ، والبركة : النماء والعلو ، حكاه الأزهري عن ثعلب .

وقال ابن الأنباري : تبرك العباد بتوحيده [ ص: 410 ] وذكر اسمه ، وقال ابن فارس : معناه ثبت الخير عنده ، وقيل : تعظم وتمجد قاله الخليل ، وهو بمعنى تعظيم وقيل : استحق التعظيم ، وقوله : ( أحسن الخالقين ) أي المصورين والمقدرين . وقوله : " سبوح قدوس " بضم أولهما وبفتح لغتان مشهورتان أفصحهما وأكثرهما الضم ، قال أهل اللغة : هما صفتان لله تعالى : وقال ابن فارس والترمذي : اسمان لله تعالى وتقديره ومعناه : مسبح مقدس رب الملائكة والروح عز وجل ، ومعناه المبرأ من كل نقص ومن الشريك ومن كل ما لا يليق بالإلهية ، والرواية هكذا : سبوح قدوس بالرفع . قال القاضي عياض : وقيل : سبوحا قدوسا بالنصب أي أسبح سبوحا أو أعظم أو أذكر أو أعبد .

وقوله : " رب الملائكة والروح " قيل : الروح جبريل وقيل : ملك عظيم أعظم الملائكة خلقا ، وقيل : أشرف الملائكة ، وقيل : خلق كالناس ليسوا بناس ، وقيل غير ذلك .

وقوله صلى الله عليه وسلم " فقمن " هو بفتح الميم وكسرها لغتان مشهورتان ، ويقال في اللغة أيضا : قمين ومعناه حقيق ، وقد بسطت هذه الألفاظ أكمل بسط في تهذيب اللغات .

( أما حكم المسألة ) فقال الشافعي والأصحاب رحمهم الله : يسن التسبيح في السجود ، والاجتهاد في الدعاء أن يقول : " اللهم لك سجدت وبك آمنت " إلى آخر حديث علي رضي الله عنه وأدنى السنة التسبيح وما في حديث علي وسبوح قدوس والدعاء ، قال القاضي حسين وغيره : فإن أراد الاقتصار ، فعلى التسبيح أولى ، وقد سبق هذا وما يتعلق به في فصل الركوع ، وكل ذلك يعود هنا ، وسبق هناك أذكار الركوع والسجود جميعا . ومما لم يسبق حديث أبي هريرة رضي الله عنه : { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول في سجوده : اللهم اغفر لي ذنبي كله ، دقه وجله ، أوله وآخره ، وعلانيته وسره } رواه مسلم وعن عائشة رضي الله عنها { قالت : فقدت رسول الله صلى الله عليه وسلم فالتمسته فوقعت يدي على بطن قدميه في المسجد وهما منصوبتان وهو يقول : اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك ، ومعافاتك من عقوبتك وبك منك لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك } رواه مسلم .

قال صاحب الحاوي وغيره : يستحب أن يجمع هذا [ ص: 411 ] كله ، قال أصحابنا : ولا يزيد الإمام على ثلاث تسبيحات إلا أن يرضى القوم المحصورون ، وفيه كلام ذكرته في ذكر الركوع عن نص الشافعي ، قال الشافعي في الأم : ويجتهد في الدعاء ما لم يكن إماما فيثقل على من خلفه ، أو مأموما فيخالف إمامه ، قال : والرجل والمرأة في الذكر سواء . ونقل الشيخ أبو حامد هذا النص عن الأم ، ونقل عن نصه في الإملاء أنه لا يدعو لئلا يثقل على المأمومين . قال أبو حامد : النصان متقاربان في المعنى ، يعني أنه يدعو بحيث لا يطول عليهم ، واتفقوا على كراهة قراءة القرآن في الركوع والسجود وغير حالة القيام للحديث ، فلو قرأ غير الفاتحة لم تبطل وفي الفاتحة خلاف سبق في فصل الركوع وسنوضحه في باب سجود السهو إن شاء الله تعالى . وقد سبق في فصل الركوع بيان مذاهب العلماء في حكم التسبيح والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية