صفحة جزء
قال المصنف رحمه الله تعالى : ( فإن أراد أن يسجد فوقع على الأرض ثم انقلب فأصابت جبهته الأرض ، فإن نوى السجود حال الانقلاب أجزأه كما لو اغتسل للتبرد [ والتنظيف ] ونوى رفع الحدث ، وإن لم ينوه لم يجزئه كما لو توضأ للتبرد ، ولم ينو رفع الحدث ) .


( الشرح ) قال أصحابنا : يشترط لصحة السجود أن لا يقصد بهويه إليه غيره ولو سقط إلى الأرض من الاعتدال قبل قصد الهوي ، لم يحسب ذلك السجود ، بل عليه أن يعود إلى الاعتدال ويسجد منه ; لأنه لا بد من نية فعل ولم يوجد واحد منهما ، ولو هوى ليسجد فسقط على الأرض بجبهته نظر إن وضع جبهته على الأرض بنية الاعتماد لم يحسب عن السجود ، وإن لم يحدث هذه النية حسب سواء قصد أم لم يقصد شيئا .

نص الشافعي على هذا التفصيل في الأم واتفق الأصحاب عليه ، وممن نقل الاتفاق عليه إمام الحرمين ولو هوى ليسجد فسقط على جنبه فانقلب وأتى بصورة السجود ، فإن قصد السجود اعتد به ، نص عليه في الأم واتفق عليه الأصحاب ، وإن قصد الاستقامة وقصد أيضا صرفه عن السجود لم يحسب له بلا خلاف ، نص عليه في الأم واتفقوا عليه .

قال إمام الحرمين وغيره : وتبطل صلاته ; لأنه زاد فعلا لا يزاد مثله في [ ص: 412 ] الصلاة ، وإن قصد الاستقامة ولم يقصد صرفه عن السجود ، بل غفل عنه لم يجزئه على الصحيح المنصوص في الأم ، وبه قطع الأكثرون ، وفيه وجه حكاه إمام الحرمين فخرج من الخلاف في مسألة نية التبرد في الوضوء إذا عرضت في أثنائها الغفلة عن نية الحدث ، لكن لا تبطل صلاته ، بل يكفيه أن يعتدل جالسا ، ثم يسجد ، ولا يجوز أن يقوم ليسجد من قيام فلو قام كان زائدا قياما متعمدا ، فتبطل صلاته إن علم تحريمه ، ولكن لإمام الحرمين احتمال لنفسه يلزمه القيام ليسجد منه واستضعفه ، وقال : الأظهر أنه لا يقوم ، وإن لم يقصد السجود ولا الاستقامة أجزأه ذلك عن السجود بلا خلاف ، ونقل إمام الحرمين الاتفاق عليه .

( فرع ) في مسائل تتعلق بالسجود ( إحداها ) : قال أصحابنا الخراسانيون : التنكس في السجود شرط لصحته قالوا : وللساجد ثلاثة أحوال ( إحداها ) : أن تكون أسافله أعلى من أعاليه فتكون عجيزته مرتفعة عن رأسه ومنكبيه ، فهذه هيئة التنكس المطلوبة ، ومتى كان المكان مستويا فحصولها هين ، ولو كان موضع الرأس مرتفعا قليلا فقد رفع أسافله ، وتحصل هذه الهيئة أيضا وتصح صلاته بلا شك .

( الثانية ) : أن تكون أعاليه أرفع من أسافله ، بأن يضع رأسه على ارتفاع فيصير رأسه أعلى من حقويه ، فلا يجزئه لعدم اسم السجود كما لو أكب على وجهه ومد رجليه ، فإنه لا يجزيه بلا شك . قال صاحب التتمة : إلا أن تكون به علة لا يمكنه السجود إلا هكذا فيجزئه .

( الثالثة ) : أن يستوي أعاليه وأسافله لارتفاع موضع الجبهة وعدم رفعه الأسافل أو لغير ذلك ، ففي صحة صلاته وجهان . ( الصحيح ) : أنها لا تصح لفوات الهيئة المطلوبة ، وبهذا قطع الغزالي في الوجيز والبغوي ، ودليل وجوب أصل التنكس : أنه ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { صلوا كما رأيتموني أصلي } ومعلوم : أنه صلى الله عليه وسلم كان ينكس ، وعن أبي [ ص: 413 ] إسحاق السبيعي قال : { وصف لنا البراء بن عازب رضي الله عنهما - يعني السجود - فوضع يديه واعتمد على ركبتيه ورفع عجيزته وقال : هكذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسجد } رواه أبو داود والنسائي والبيهقي وأبو حاتم بإسناد حسن ، وهذا مع قوله صلى الله عليه وسلم { صلوا كما رأيتموني أصلي } يقتضي وجوبه والله أعلم .

ولو تعذر التنكس لمرض أو لغيره ، فهل يجب وضع وسادة ونحوها ليضع الجبهة على شيء ؟ فيه وجهان . حكاهما إمام الحرمين والغزالي ومن تابعهما ( أظهرهما ) عند الغزالي : الوجوب ; لأنه يجب التنكس ووضع الجبهة على شيء ، فإذا تعذر أحدهما لزمه الآخر ( وأصحهما ) عند غيره : لا يجب ، بل يكفيه الخفض المذكور ، قال الرافعي : هذا أشبه بكلام الأكثرين ; لأن هيئة السجود متعذرة فيكفيه الخفض الممكن قال : ولا خلاف أنه لو عجز عن وضع الجبهة على الأرض وأمكنه وضعها على وسادة مع التنكيس لزمه ذلك .

التالي السابق


الخدمات العلمية