صفحة جزء
قال المصنف رحمه الله تعالى : ( ولا يرفع اليدين إلا في تكبيرة الإحرام والركوع والرفع منه لحديث ابن عمر رضي الله عنهما قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم { إذا افتتح الصلاة رفع يديه حذو منكبيه ، وإذا أراد أن يركع وبعدها رفع رأسه من الركوع ، ولا يرفع يديه بين السجدتين } .

وقال أبو علي الطبري وأبو بكر بن المنذر : يستحب كلما قام إلى الصلاة من السجود ومن التشهد لما روى علي : رضي الله عنه { أن النبي صلى الله عليه وسلم رفع اليدين في الصلاة من السجود } وروى أبو حميد رضي الله عنه { : أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا قام من الركعتين يرفع يديه } والمذهب : الأول )


( الشرح ) المشهور من نصوص الشافعي رحمه الله تعالى في كتبه ، وهو المشهور في المذهب ، وبه قال أكثر الأصحاب : أنه لا يرفع إلا في تكبيرة الإحرام ، وفي الركوع والرفع منه ، لحديث ابن عمر رضي الله عنهما وهو في صحيحي البخاري ومسلم من طرق ، وفي رواية في الصحيحين " { وكان لا يفعل ذلك في السجود } " وفي رواية البخاري " { ولا يفعل ذلك حين يسجد ولا حين يرفع من السجود } " .

وقال جماعة من أصحابنا منهم أبو بكر بن المنذر وأبو علي الطبري : يستحب الرفع كلما قام من السجود ومن التشهد ، وقد يحتج لهذا بما ذكره البخاري في كتاب رفع اليدين : { أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه إذا ركع وإذا سجد } لكنه ضعيف ، ضعفه البخاري ، وفي كتاب النسائي حديث يقتضيه عن مالك بن الحويرث عن النبي صلى الله عليه وسلم وقال آخرون من أصحابنا : يستحب الرفع إذا قام من التشهد الأول ، وهذا هو الصواب .

وممن قال به من أصحابنا : ابن المنذر وأبو [ ص: 426 ] علي الطبري وأبو بكر البيهقي وصاحب التهذيب فيه وفي شرح السنة وغيرهم ، وهو مذهب البخاري وغيره من المحدثين ، دليله : حديث نافع { أن ابن عمر رضي الله عنهما كان إذا دخل الصلاة كبر ورفع يديه ، وإذا ركع رفع يديه ، وإذا قال : سمع الله لمن حمده رفع يديه ، وإذا قام من الركعتين رفع يديه ، ورفع ابن عمر ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم } رواه البخاري في صحيحه .

وعن حميد الساعدي من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم { أنه وصف صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال فيها : وإذا قام من الركعتين كبر ورفع يديه } حديث صحيح رواه أبو داود والترمذي وغيرهما بالأسانيد الصحيحة . وقال الترمذي : حديث حسن صحيح ، وقد سبق بطوله في فصل الركوع وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه { عن رسول الله : صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا قام إلى الصلاة المكتوبة كبر ورفع يديه حذو منكبيه ، ويصنع مثل ذلك إذا قضى قراءته وأراد أن يركع ، ويصنعه إذا رفع من الركوع ، ولا يرفع يديه في شيء من صلاته وهو قاعد ، وإذا قام من الركعتين رفع يديه كذلك وكبر } وهو حديث صحيح رواه البخاري في كتاب رفع اليدين وأبو داود والترمذي وابن ماجه وآخرون .

قال الترمذي : حديث حسن صحيح رواه الأكثرون في كتاب الصلاة والترمذي في كتاب الدعاء في أواخر كتابه . وفي رواية أبي داود : " { وإذا قام من السجدتين } بدل الركعتين ، والمراد بالسجدتين الركعتان بلا شك كما جاء في رواية الباقين ، وهكذا قاله العلماء من المحدثين والفقهاء إلا الخطابي فإنه ظن أن المراد السجدتان المعروفتان ، ثم استشكل الحديث وقال : لا أعلم أحدا من الفقهاء قال به ، وكأنه لم يقف على طرق روايته ، ولو وقف عليها لحمله على الركعتين كما حمله الأئمة . وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كبر للصلاة جعل يديه حذو منكبيه ، وإذا ركع فعل ذلك ، وإذا رفع للسجود فعل مثل ذلك ، وإذا قام من الركعتين فعل مثل ذلك } رواه أبو داود بإسناد صحيح فيه رجل فيه أدنى كلام .

وقد وثقه الأكثرون وقد روى له البخاري في صحيحه . [ ص: 427 ] وقوله : ( رفع للسجود ) يعني رفع رأسه من الركوع كما صرح به في الأحاديث السابقة ، قال البخاري في كتاب رفع اليدين ما زاده علي وأبو حميد رضي الله عنهما في عشرة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يعني وابن عمر : رضي الله عنهم { أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرفع إذا قام من الركعتين } كله صحيح ; لأنهم لم يحكوا صلاة واحدة ، وتختلف رواياتهم فيها بعينها ، مع أنه لا اختلاف مع ذلك ، وإنما زاد بعضهم على بعض ، والزيادة مقبولة من أهل العلم .

وقال البيهقي في كتابه معرفة السنن والآثار : وقد قال الشافعي في حديث أبي حميد : وبهذا أقول .

وقال صاحب التهذيب : لم يذكر الشافعي رفع اليدين إذا قام من الركعتين ، ومذهبه اتباع السنة ، وقد ثبت ذلك وقد روى جماعة من الصحابة رفع اليدين في هذه المواضع الأربعة ، منهم علي وابن عمر وأبو حميد بحضرة أصحابه ، وصدقوه كلهم على ذلك .

هذا كلام البغوي وأما قول الشيخ أبي حامد في التعليق : انعقد الإجماع على أنه لا يرفع في هذه المواضع فاستدلاله بالإجماع على نسخ الحديث مردود عليه غير مقبول ولم ينعقد الإجماع على ذلك ، بل قد ثبت الرفع في القيام من الركعتين عن خلائق من السلف والخلف ، فمن ذلك ما قدمناه عن علي وابن عمر وأبي حميد مع أصحابه العشرة ، وهو قول البخاري ، قال الخطابي : وبه قال جماعة من أهل الحديث ، فحصل من مجموع ما ذكرته أنه يتعين القول باستحباب رفع اليدين إذا قام من الركعتين ، وأنه مذهب الشافعي لثبوت هذه الأحاديث وكثرة رواتها من كبار الصحابة ، والشافعي قائل به للوجهين اللذين ذكرهما البيهقي والله أعلم .

( فرع ) ذكر المصنف هنا ابن المنذر وهو الإمام المشهور أبو بكر محمد بن إبراهيم بن المنذر النيسابوري من متقدمي أصحابنا في زمن ابن سريج وطبقته ، توفي سنة تسع وعشرين وثلثمائة ، وهو صاحب المصنفات المفيدة التي تحتاج إليها كل الطوائف قد ذكرنا شيئا من حاله في مقدمة هذا الشرح ، وهو مستقصى في الطبقات وتهذيب الأسماء .

التالي السابق


الخدمات العلمية