صفحة جزء
قال المصنف رحمه الله تعالى ( أفضل عبادات البدن الصلاة لما روى عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال { استقيموا واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة ولا يحافظ على الوضوء إلا مؤمن } ولأنها تجمع من القرب ما لا يجمع غيرها من الطهارة ، واستقبال القبلة والقراءة وذكر الله تعالى ، والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم ويمنع فيها من كل ما يمنع منه في سائر العبادات وتزيد عليها بالامتناع من الكلام والمشي وسائر الأفعال . وتطوعها أفضل التطوع ) .


( الشرح ) حديث عبد الله هذا رواه ابن ماجه في سننه في كتاب الوضوء والبيهقي فيه وفي فضائل الصلوات قبل استقبال القبلة روياه من حديث عبد الله ، ومن حديث ثوبان بلفظه هنا ، وفيه زيادة قال : { استقيموا ولن تحصوا ، واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة إلخ لكن في رواية ابن ماجه عن عبد الله أن من خير أعمالكم الصلاة } وفي بعض روايات البيهقي إثبات ( من ) وفي بعضها حذفها وإسناد رواية عبد الله فيه ضعف ، وإسناد رواية ثوبان جيد لكن من رواية سالم بن أبي الجعد عن ثوبان وقال أحمد بن حنبل : لم يسمع سالم من ثوبان وذكره مالك في الموطأ مرسلا معضلا . فقال : بلغني أن النبي صلى الله عليه وسلم قال { استقيموا ولن تحصوا ، واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة ، ولن يحافظ على الوضوء إلا مؤمن } قال صاحب مطالع الأنوار : الزموا طريق الاستقامة ، وقاربوا وسددوا فإنكم لا تطيقون جميع أعمال البر ولن تحصوا أن تطيقوا الاستقامة في جميع الأعمال ، وقيل : لن تحصوا ما لكم في الاستقامة من الثواب العظيم .

( أما حكم المسألة ) فالمذهب الصحيح المشهور أن الصلاة أفضل من الصوم وسائر عبادات البدن ، وقال صاحب المستظهري في كتاب الصيام : اختلف في الصلاة والصوم أيهما أفضل ؟ فقال قوم : الصلاة أفضل ، وقال [ ص: 497 ] آخرون : الصلاة بمكة أفضل والصوم بالمدينة أفضل ، قال : والأول أصح ويحتج بترجيح الصوم بحديث أبي هريرة { أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : قال الله عز وجل : كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به ، والصوم جنة وللصائم فرحتان يفرحهما إذا أفطر فرح بفطره وإذا لقي ربه فرح بصومه } رواه البخاري ومسلم ، وفي رواية لمسلم { كل عمل ابن آدم يضاعف الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ، قال الله تعالى : إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به ، يدع شهوته وطعامه من أجلي } وعن سهل بن سعد رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { إن في الجنة بابا يقال له الريان يدخل فيه الصائمون لا يدخل منه غيرهم } رواه البخاري ومسلم وأما الدليل لترجيح الصلاة - وهو المذهب - فأحاديث كثيرة في الصحيح مشهورة ( منها ) : " حديث بني الإسلام على خمس " وقد سبق وموضع الدلالة منه تقديم الصلاة على الصوم ، والعرب تبدأ بالأم ( وحديث ) ابن مسعود رضي الله عنه قال : { سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الأعمال أحب إلى الله ؟ وفي رواية أفضل ؟ فقال : الصلاة لوقتها } رواه البخاري ومسلم وعنه : { أن رجلا أصاب من امرأة قبلة فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره فأنزل الله تعالى { وأقم الصلاة طرفي النهار ، وزلفا من الليل ، إن الحسنات يذهبن السيئات } فقال الرجل : ألي هذا يا رسول الله ؟ قال لجميع أمتي } رواه البخاري ومسلم ، وعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { أرأيتم لو أن نهرا بباب أحدكم يغتسل منه كل يوم خمس مرات هل يبقى من درنه شيء ؟ قالوا : لا يبقى من درنه شيء ، قال : فذلك مثل الصلوات الخمس ، يمحو الله بهن الخطايا } رواه البخاري ومسلم وعنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة كفارة لما بينهن ما لم تغش الكبائر } رواه مسلم .

وعن أبي موسى رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال [ ص: 498 ] { من صلى البردين دخل الجنة } رواه البخاري ومسلم البردان الصبح والعصر ، وعن عمارة بن رؤيبة رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { لن يلج النار أحد صلى قبل طلوع الشمس وقبل غروبها ، يعني الفجر والعصر } رواه مسلم ، وعن جندب رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { من صلى الصبح والعصر فهو في ذمة الله ، فانظر يا بن آدم لا يطالبنك الله من ذمته بشيء } رواه مسلم والأحاديث في الباب كثيرة مشهورة .

ويستدل أيضا لترجيح الصلاة بما ذكره المصنف من كونها تجمع العبادات وتزيد عليها ; لأنه يقتل بتركها بخلاف الصوم وغيره ولأن الصلاة لا تسقط في حال من الأحوال ما دام مكلفا إلا في حق الحائض بخلاف الصوم والله أعلم .

( فإن قيل ) قول المصنف : وتطوعها أفضل التطوع يرد عليه الاشتغال بالعلم فإنه أفضل من تطوع الصلاة كما نص عليه الشافعي وسائر الفقهاء ، وقد سبق بيانه في مقدمة هذا الشرح . فالجواب أن هذا الإيراد غلط وغفلة من مورده ; لأن الاشتغال بالعلم فرض كفاية لا تطوع ، وكلامنا هنا في التطوع والله أعلم .

( فرع ) قال أبو عاصم العبادي في كتابه الزيادات : الاشتغال بحفظ ما زاد على الفاتحة من القرآن أفضل من صلاة التطوع ; لأن حفظه فرض كفاية .

( فرع ) اعلم أنه ليس المراد بقولهم : الصلاة أفضل من الصوم أن صلاة ركعتين أفضل من صيام أيام أو يوم ، فإن الصوم أفضل من ركعتين بلا شك ، وإنما معناه أن من لم يمكنه الجمع بين الاستكثار من الصلاة والصوم وأراد أن يستكثر من أحدهما أو يكون غالبا عليه منسوبا إلى الإكثار منه ، ويقتصر من الآخر على المتأكد منه فهذا محل الخلاف والتفضيل ، والصحيح تفضيل الصلاة والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية