صفحة جزء
قال المصنف رحمه الله تعالى ( وإن ورد على ماء فأخبره رجل بنجاسته لم يقبل حتى يبين بأي شيء نجس لجواز أن يكون رأى سبعا ولغ فيه فاعتقد أنه نجس بذلك . فإن بين النجاسة قبل منه كما يقبل ممن يخبره بالقبلة ، ويقبل في ذلك قول الرجل والمرأة والحر والعبد ، لأن أخبارهم مقبولة ويقبل قول الأعمى لأن له طريقا إلى العلم بالحس والخبر ، ولا يقبل فيه قول صبي ولا فاسق ولا كافر ، لأن أخبارهم لا تقبل ) .


( الشرح ) إذا أخبره ثقة بنجاسة ماء أو ثوب أو طعام وغيره فإن بين سبب النجاسة وكان ذلك السبب يقتضي النجاسة حكم بنجاسته بلا خلاف لأن خبره مقبول ، وهذا من باب الخبر لا من باب الشهادة ، ويقبل في هذا المرأة والعبد والأعمى بلا خلاف لأن خبرهم مقبول ولا يقبل فاسق وكافر بلا خلاف ، ولا مجنون وصبي لا يميز ، وفي الصبي المميز وجهان الصحيح لا يقبل وبه قطع الجمهور كما قطع به المصنف ، ونقله البندنيجي والروياني عن نص الشافعي لأنه لا يوثق بقوله ( والثاني ) يقبل لأنه غير متهم ، حكاه جماعات من الخراسانيين وصاحب البيان وقطع به المحاملي في المجموع والقاضي أبو الطيب ، وقال البغوي : هو الأصح ، وطردوا الوجهين في روايته حديث النبي صلى الله عليه وسلم وغيره ، والصحيح المنع مطلقا ، أما ما تحمله في الصبا وهو مميز ثم بلغ ورواه وأخبر به فيقبل على المشهور الذي قطع به [ ص: 229 ] الجمهور ، وفيه خلاف ضعيف سنوضحه في موضعه حيث ذكره المصنف من كتاب الشهادات إن شاء الله تعالى . هذا إذا بين سبب النجاسة ، فإن لم يبين لم يقبل ، هكذا نص عليه الشافعي والأصحاب ، قال الشيخ أبو حامد : نص عليه الشافعي رواه عنه المزني في الجامع الكبير . ثم إن الجمهور أطلقوا المسألة كما أطلقها المصنف ممن أطلقها الشيخ أبو حامد والماوردي وابن الصباغ والمتولي وغيرهم ، وقال القاضي أبو الطيب في تعليقه والمحاملي وغيرهما : قال الشافعي : فإن كان يعلم من حال المخبر أنه يعلم أن سؤر السباع طاهر وأن الماء إذا بلغ قلتين لا ينجس قبل قوله عند الإطلاق ، هكذا نقل هؤلاء نص الشافعي ، وكذا قطع بهذا التفصيل الذي نص عليه جماعات من أصحابنا المصنفين منهم الشيخ أبو محمد الجويني في الفروق والبغوي والروياني وغيرهم ، ونقله صاحب العدة عن أصحابنا العراقيين ، ونقل صاحب البيان عن الشيخ أبي حامد أنه نقله عن نص الشافعي ولم أر لأحد من أصحابنا تصريحا بمخالفته فهو إذن متفق عليه ، ومن أطلق المسألة فكلامه محمول على ما ذكره الإمام الشافعي صاحب المذهب ثم كبار أصحابنا .

( فرع ) لو أخبره بنجاسته عدلان فهما كالعدل على التفصيل المتقدم ذكره الماوردي وهو ظاهر .

( فرع ) قال أصحابنا : إذا أخبره مقبول الخبر بالنجاسة وجب قبوله ولا يجوز الاجتهاد بلا خلاف كما لا يجتهد المفتي إذا وجد النص ، وكما لا يجتهد إذا أخبره ثقة عن علم بالقبلة ووقت الصلاة ، وغير ذلك ، وقول المصنف : " فإن بين النجاسة قبل منه " أي : لزمه قبوله .

( فرع ) قال أصحابنا يقبل قول الكافر والفاسق في الإذن في دخول الدار وحمل الهدية كما يقبل قول الصبي فيهما ولا أعلم في هذا خلافا ، ذكر أكثر أصحابنا هذه المسألة في باب استقبال القبلة ، وممن ذكرها هناك صاحب [ ص: 230 ] الحاوي والقاضي أبو الطيب في تعليقه وقال : سمعت أبا الحسن الماسرجسي يقول : يقبل قول الكافر في ذلك قلت : ودليل هذه الأحاديث الصحيحة { أن النبي صلى الله عليه وسلم قبل هدايا الكفار . }

( فرع ) قول المصنف : يقبل في ذلك قول الأعمى لأن له طريقا إلى العلم بالحس والخبر ( الحس بالحاء ) يعني يدركه بإحدى الحواس الخمس ، وأما الخبر فهو السماع من ثقة واحد أو جماعة ، واعلم أن أصحابنا وغيرهم من الفقهاء يطلقون لفظ العلم واليقين والمعرفة ويريدون به الاعتقاد القوي ، سواء كان علما حقيقيا أو ظنا ، وهذا نحو ما قدمناه في استعمالهم لفظ الشك والله أعلم

التالي السابق


الخدمات العلمية