صفحة جزء
[ ص: 104 ] قال المصنف - رحمه الله تعالى : ( وإن دخل في فرض الوقت ثم أقيمت الجماعة فالأفضل أن يقطع ويدخل في الجماعة ; فإن نوى الدخول في الجماعة من غير أن يقطع صلاته ففيه قولان ; قال في الإملاء : لا يجوز ، وتبطل صلاته ; لأن تحريمته سبقت تحريمة الإمام فلم يجز ، كما لو حضر معه في أول الصلاة فكبر قبله ، وقال في القديم والجديد : يجوز ، وهو الأصح ; لأنه لما جاز أن يصلي بعض صلاته منفردا ، ثم يصلي إماما بأن يجيء من يأتم به ، جاز أن يصلي بعض صلاته منفردا ، ثم يصير مأموما ، ومن أصحابنا من قال : إن كان قد ركع في حال الانفراد لم يجز قولا واحدا ; لأنه يتغير ترتيب صلاته بالمتابعة ، والصحيح : أنه لا فرق ; لأن الشافعي لم يفرق ، ويجوز أن يتغير ترتيب صلاته بالمتابعة كالمسبوق بركعة ) .


( الشرح ) قال أصحابنا : إذا دخل في فرض الوقت منفردا ثم أراد الدخول في جماعة استحب أن يتمها ركعتين ويسلم منها فتكون نافلة ; ثم يدخل في الجماعة فإن لم يفعل استحب أن يقطعها ثم يستأنفها في الجماعة ; هكذا نص عليه الشافعي في المختصر ; واتفق الأصحاب عليه في الطريقين ، وينكر على المصنف كونه قال : يقطع الصلاة ، ولم يقل : يسلم من ركعتين كما قال الشافعي والأصحاب ، ويتأول كلامه على أنه أراد إذا خشي فوت الجماعة لو تمم ركعتين ، فإنه حينئذ يستحب قطعها فلو لم يقطعها ، ولم يسلم بل نوى الدخول في الجماعة واستمر في الصلاة - فقد نص الشافعي في مختصر المزني على أنه يكره ، واتفق الأصحاب على كراهته كما نص عليه ، وفي صحتها طريقان : ( أحدهما ) : القطع ببطلانها ، حكاه الفوراني وغيره عن أبي بكر الفارسي ، وهو مذهب مالك وأبي حنيفة .

( والثاني ) ، وهو الصواب المشهور الذي أطبق عليه الأصحاب وفيه قولان مشهوران أصحهما باتفاق الأصحاب : يصح ، وهو نصه في معظم كتبه الجديدة .

والثاني : لا يصح ، نص عليه في الإملاء من كتبه الجديدة ، ودليلها ما ذكره المصنف ، ويستدل للصحة أيضا بحديث سهل بن سعد أن النبي صلى الله عليه وسلم { ذهب ليصلح بين بني عمرو بن عوف فحضرت الصلاة قبل مجيء النبي صلى الله عليه وسلم فقدموا أبا بكر ليصلي ، ثم جاء النبي [ ص: 105 ] صلى الله عليه وسلم وهم في الصلاة فتقدم فصلى بهم واقتدى به أبو بكر والجماعة ، فصار أبو بكر مقتديا في أثناء صلاته } واختلف أصحابنا في موضع القولين على أربع طرق مشهورة ( أحدها ) القولان فيمن دخل في الجماعة بعد ركوعه منفردا فإن دخل قبل ركوعه صحت قولا واحدا ( والثاني ) : القولان فيمن دخل فيها قبل ركوعه فإن دخل فيها بعده بطلت قولا واحدا ( والثالث ) : القولان إذا اتفقا في الركعة أولى أو ثانية ، فإن اختلفا وكان الإمام في ركعة ، والمأموم في أخرى متقدمة أو متأخرة بطلت قولا واحدا ( والرابع ) ، وهو الصحيح : أن القولين في الأحوال كلها لوجود علة في كل الأحوال ، والمذهب صحتها بكل حال ، وسواء اقتدى بإمام أحرم بعده أم بإمام كان محرما قبل إحرام هذا المقتدي .

قال أصحابنا : ولو نوى الاقتداء في صلاة رباعية بمن يصلي ركعتين فسلم الإمام بعد فراغه فقام المقتدي واقتدى في ركعتيه الباقيتين بآخر ففيه القولان ، ومثله هذا الذي يعتاده كثير من الناس يدرك الإمام في صلاة التراويح فيحرم خلفه بالعشاء ، فإذا سلم الإمام قام المقتدي لإتمام صلاته ثم يحرم الإمام بركعتين أخريين في التراويح فيقتدي به فيهما ، ففي صحته القولان أصحهما : الصحة .

وهكذا لو اقتدى في كل ركعة ففيه الخلاف بالترتيب وأولى بالبطلان ، فإذا قلنا بالصحة فاختلفا في الركعة لزم المأموم متابعة الإمام فيقعد في موضع قعوده ويقوم في موضع قيامه ، فإن تمت صلاة الإمام أولا قام المأموم بعد سلامه لتتمة صلاته ; لأنه مسبوق ، وإن تمت صلاة المأموم أولا لم يجز له متابعة الإمام في الزيادة ، بل إن شاء فارقه عند تمامها وتشهد وسلم ، وتصح صلاته بلا خلاف ; لأنه فارقه بعذر يتعلق بالصلاة ، وإن شاء انتظره في التشهد وطول الدعاء حتى يلحقه الإمام ثم يسلم عقبه ولو سها المأموم قبل الاقتداء لم يتحمل عنه الإمام ، بل إذا سلم الإمام سجد هو لسهوه إن كانت تمت صلاته وإلا سجد عند تمامها ، وإن سها بعد الاقتداء حمل عنه الإمام ، وإن سها [ ص: 106 ] الإمام قبل الاقتداء أو بعده لحق المأموم سهوه ، ويسجد معه ويعيده في آخر صلاته على الأظهر كالمسبوق ، والله أعلم .

( فرع ) ذكر المصنف هنا أن القول القديم : صحة صلاة هذا المقتدي ، كما نص عليه في الجديد وتابعه على هذا صاحبا المعتمد والبيان تقليدا له ، والذي نقله أصحابنا عن القديم بطلان صلاته ، وممن نقل ذلك صريحا الشيخ أبو حامد وصاحب الحاوي والقاضي أبو الطيب والمحاملي في التجريد والفوراني والمتولي وآخرون ، وهذا هو الصواب ; لأن نصه في القديم قال قائل : يدخل مع الإمام ويعتد بما مضى ، ولسنا نقول بهذا ( فرع ) هذا الذي ذكره الشافعي هنا من قوله : يسلم من ركعتين ، وتكون نافلة هو الصحيح في المذهب ، وقد تقدم في صفة الصلاة في فصل النية مسائل من هذا القبيل فيها خلاف ، وهي مختلفة في الترجيح كما سبق هناك ، وفي هذا النص واتفاق الأصحاب عليه دليل على اتفاقهم على جواز الخروج من فريضة دخل فيها في أول وقتها للعذر ، وأما إذا خرج منها بلا عذر فإنه يحرم عليه ذلك على المذهب الصحيح المشهور الذي نص عليه الشافعي وقطع به الجمهور ، وقد سبق بيان المسألة مستقصى في باب التيمم في مسألة رؤية الماء في أثناء الصلاة وقال المتولي : إذا قلنا : إن قلب فرضه نفلا لا ينقلب بل تبطل صلاته حرم عليه هنا أن يسلم من ركعتين ليدخل في الجماعة ; لأن فيه أبطال فرض ، وهذا الذي قاله المتولي غلط ظاهر مخالف لنص الشافعي ، والأصحاب جميعهم على استحباب ذلك ، ووجهه ما ذكرناه أنه يجوز قطع الفرض لعذر ، وتحصيل الجماعة عذر مهم ; لأنه إذا جاز قطعه لعذر دنيوي وحظ نفسه فجوازه لمصلحة الصلاة ولسبب تكميلها أولى ، ثم تعليله بأنه إبطال فرض تعليل فاسد ; لأن إبطال الفرض حاصل سواء قلنا : ينقلب نفلا أم تبطل ، والله أعلم

( فرع ) قد ذكرنا أن نص الشافعي والأصحاب : أنه يستحب أن يسلم من ركعتين ، ثم يدخل الجماعة ، وهذا فيما إذا كان قد بقي من صلاته أكثر من ركعتين ، فإن كان الباقي دون ذلك استحب أن يتمها ثم يعيدها مع الجماعة .

وممن صرح بهذا الرافعي .

[ ص: 107 ] فرع ) هذا الذي سبق هو فيما إذا دخل في فرض الوقت ثم أراد جماعة ، فأما إذا دخل في فائتة ثم أراد الدخول في جماعة فان كانت الجماعة تصلي تلك الفائتة فالجماعة مسنونة لها .

فهي كفرض الوقت فيما ذكره ، وإن كانت الجماعة غير تلك الفائتة لم يجب التسليم من ركعتين ، ولا قطعها لتحصيل تلك الفائتة جماعة ; لأن الجماعة لا تشرع حينئذ كما سبق بيانه في أول الباب .

وممن صرح بذلك صاحب التتمة قال : لأن الجماعة ليست من مصلحة هذه الصلاة ، ولا يجوز قطع فريضة لمراعاة مصلحة فريضة أخرى ، وهذا بخلاف ما لو شرع في فائتة في يوم غيم ، ثم انكشف وخاف فوت الحاضرة فإنه يسلم من ركعتين ويشتغل بالحاضرة .

قال المتولي : ولو شرع في فريضة في آخر وقتها منفردا ، وأمكنه إتمامها في الوقت منفردا ، وحضر قوم يصلونها جماعة ، وعلم أنه لو سلم من ركعتين ، ودخل معهم وقع بعضها خارج الوقت أو شك في ذلك حرم عليه السلام من ركعتين ; لأن مراعاة الوقت فرض ، والجماعة سنة ، فلا يجوز له ترك الفرض لمراعاة سنة والله أعلم .

( فرع ) قال صاحب البيان : إذا افتتح جماعة ثم نقلها إلى جماعة أخرى بأن أحرم خلف جنب أو محدث لم يعلم ، ثم علم الإمام فخرج فتطهر ، ثم رجع فأحرم بالصلاة فألحق المأموم صلاته بصلاته ثانيا أو جاء آخر فألحق المأموم صلاته بصلاته بعد علمه بحدث الأول ، قال أصحابنا : يجوز ذلك قولا واحدا ، وتكون صلاة المأموم انعقدت جماعة ثم صارت بعد ذلك جماعة ، وهذا لا خلاف فيه ، بخلاف من أحرم منفردا ، وكذلك إذا أحدث الإمام واستخلف وجوزنا الاستخلاف فإن المأمومين نقلوا صلاتهم من جماعة إلى جماعة هذا كلام صاحب البيان ، وذكر الشيخ أبو حامد في التعليق والمحاملي وآخرون نحوه .

( فرع ) قال الشيخ أبو حامد والماوردي والقاضي أبو الطيب والمحاملي وغيرهم : قلب الفرض إلى غيره أربعة أنواع : ( أحدها ) : أن يحرم بالطهر ظانا دخول الوقت فيتبين عدمه فيقع نافلة هكذا جزموا به ، وهو المذهب ; وفيه خلاف سبق في أول صفة الصلاة .

[ ص: 108 ] الثاني : ) يحرم بفريضة ثم ينوي قلبها فريضة أخرى أو منذورة فتبطل صلاته على المذهب ، وقيل في انقلابها نفلا قولان سبقا .

( الثالث ) : يحرم بفريضة ثم ينوي قلبها نافلة فتبطل على المذهب ، وهو المنصوص وحكى هؤلاء المذكورون وغيرهم وجها أنه يقع نفلا .

( الرابع ) مسألة الكتاب وهي : أن يحرم بفرض منفردا ثم يريد دخول جماعة فيقتصر على ركعتين نص الشافعي والجمهور على وقوعها نافلة ، وطرد جماعة فيها الخلاف ، والمذهب وقوعها نافلة ، والفرق أنه هنا معذور لتحصيل الجماعة .

قال الماوردي : نقل الصلاة إلى صلاة أقسام : ( أحدها ) : نقل فرض إلى فرض فلا يحصل واحد منهما ( الثاني ) : نقل نفل راتب إلى نفل راتب كوتر إلى سنة الفجر فلا يحصل واحد منهما ( الثالث ) : نقل نفل إلى فرض فلا يحصل واحد منهما ( الرابع ) : نقل فرض إلى نفل فهذا نوعان : نقل حكم كمن أحرم بالظهر قبل الزوال جاهلا فتقع نفلا ، والثاني : نقل نية بأن ينوي قلبه نفلا عامدا فيبطل فرضه ، والصحيح المنصوص : أنه لا ينقلب نفلا ، والله أعلم .

( فرع ) لو دخل في جماعة ثم حضرت جماعة أخرى فنوى قطع الاقتداء بالإمام الأول ثم نوى متابعة الثاني ففي بطلان صلاته بقطع الاقتداء الخلاف المشهور ، وسنوضحه قريبا إن شاء الله - تعالى - والمذهب : أنها لا تبطل سواء كان لعذر أو لغيره ، فعلى هذا في صحة الاقتداء الثاني القولان في المسألة التي نحن فيها ذكره المتولي وغيره ، وهو ظاهر ، والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية