صفحة جزء
قال المصنف - رحمه الله تعالى : ( وإن أدرك معه مقدار الركوع الجائز فقد أدرك الركعة ، وإن لم يدرك ذلك لم يدرك الركعة ; لما روى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال { من أدرك الركوع من الركعة الأخيرة يوم الجمعة فليضف إليها أخرى ، ومن لم يدرك الركوع فليتم الظهر أربعا } ) .


[ ص: 112 ] الشرح ) هذا الحديث بهذا اللفظ غريب ، ورواه الدارقطني بإسناد ضعيف ، ولفظه { من أدرك من الجمعة ركعة فليصل إليها أخرى ، فإن أدركهم جلوسا صلى الظهر أربعا } " فقال الشافعي والأصحاب : إذا أدرك مسبوق الإمام راكعا وكبر ، وهو قائم ثم ركع فإن وصل المأموم إلى حد الركوع المجزئ ، وهو أن تبلغ راحتاه ركبتيه قبل أن يرفع الإمام عن حد الركوع المجزئ فقد أدرك الركعة وحسبت له قال صاحب البيان : ويشترط أن يطمئن المأموم في الركوع قبل ارتفاع الإمام عن حد الركوع المجزئ .

وأطلق جمهور الأصحاب المسألة ، ولم يتعرضوا للطمأنينة ، ولا بد من اشتراطها كما ذكره صاحب البيان ، قال الرافعي : قال أصحابنا : ، ولا يضر ارتفاع الإمام عن أكمل الركوع إذا لم يرتفع عن القدر المجزئ .

وهذا الذي ذكرناه من إدراك الركعة بإدراك الركوع هو الصواب الذي نص عليه الشافعي ، وقاله جماهير الأصحاب وجماهير العلماء ، وتظاهرت به الأحاديث وأطبق عليه الناس ، وفيه وجه ضعيف مزيف أنه لا يدرك الركعة بذلك ، حكاه صاحب التتمة عن إمام الأئمة محمد بن إسحاق بن خزيمة من أكبر أصحابنا الفقهاء المحدثين ، وحكاه الرافعي عنه وعن أبي بكر الصبغي من أصحابنا ، وهو بكسر الصاد المهملة ، وإسكان الباء الموحدة وبالغين المعجمة ، قال صاحب التتمة : هذا ليس بصحيح ; لأن أهل الأعصار اتفقوا على الإدراك به فخلاف من بعدهم لا يعتد به ، فإذا قلنا بالمذهب ، وهو أنه يدركها فشك هل بلغ حد الركوع المجزئ واطمأن قبل ارتفاع الإمام عنه أم بعده ؟ فطريقان : ( أحدهما ) ، وهو المذهب وبه قطع الجمهور في الطريقتين ، ونص عليه الشافعي في الأم : لا يكون مدركا للركعة ; لأن الأصل عدم الإدراك ، ولأن الحكم بالاعتداد بالركعة بإدراك الركوع رخصة فلا يصار إليه إلا بيقين ( والثاني ) : فيه وجهان حكاه إمام الحرمين وجعلهما الغزالي قولين ، والصواب وجهان ( أصحهما ) هذا ( والثاني ) : يكون مدركا ; لأن الأصل عدم ارتفاع الإمام ، والله أعلم .

وهذا الذي ذكرناه من إدراك المأموم الركعة بإدراك ركوع الإمام هو فيما إذا كان الركوع محسوبا للإمام ، فإن لم يكن محسوبا له بأن كان الإمام [ ص: 113 ] محدثا ، أو قد سها وقام إلى الخامسة فأدركه المسبوق في ركوعها ، أو نسي تسبيح الركوع واعتدل ، ثم عاد إليه ظانا جوازه فأدركه فيه لم يكن مدركا للركعة على المذهب الصحيح الذي قطع به الجمهور ; لأن القيام والقراءة إنما يسقطان عن المسبوق ; لأن الإمام يحملهما عنه ، وهذا الإمام غير حامل فإن الركوع في الصورة المذكورة غير محسوب له ، وفيه وجه أنه يكون مدركا ، وهو ضعيف ، وسنوضحه إن شاء الله تعالى - في باب صفة الأئمة في مسألة الصلاة خلف المحدث .

( فرع ) إذا أدرك المسبوق الإمام بعد فوات الحد المجزئ من الركوع فلا خلاف أنه لا يكون مدركا للركعة ، لكن يجب عليه متابعة الإمام فيما أدرك ، وإن لم يحسب له فإن أدركه في التشهد الأخير لزمه أن يجلس معه ، وهل يسن له التشهد معه ؟ فيه وجهان مشهوران حكاهما الخراسانيون والشيخ أبو حامد وابن الصباغ وصاحب البيان وآخرون من العراقيين ( الصحيح ) المنصوص أنه يسن متابعة الإمام ( والثاني ) لا يسن ; لأنه ليس موضعه في حقه .

قال أصحابنا : ، ولا يجب التشهد على هذا المسبوق بلا خلاف بخلاف القعود فيه ، فإنه وجب عليه بلا خلاف ; لأن متابعة الإمام إنما تجب في الأفعال ، وكذا في الأقوال المحسوبة للإمام ، ولا يجب في الأقوال التي لا تحسب له ; لأنه لا يحل تركها بصورة المتابعة بخلاف الأفعال ، ومتى أدركه في ركوع أو بعده لا يأتي بدعاء الافتتاح لا في الحال ، ولا فيما بعده حتى لو أدركه في آخر التشهد فأحرم وجلس فسلم الإمام عقب جلوسه فقام إلى تدارك ما عليه لم يأت بدعاء الافتتاح لفوات محله ، وإن سلم قبل جلوسه أتى به ، وقد سبقت المسألة موضحة في أوائل صفة الصلاة .

( فرع ) ذكرنا [ أنه ] إذا لم يدرك المسبوق الركوع لا تحسب له الركعة عندنا ، وبه قال جمهور العلماء ، وقال زفر : تحسب إن أدركه في الاعتدال

التالي السابق


الخدمات العلمية