صفحة جزء
قال المصنف - رحمه الله تعالى : ( وإن كان الإمام قد ركع ونسي تسبيح الركوع فرجع إلى الركوع ليسبح فأدركه المأموم في هذا الركوع فقد قال أبو علي الطبري : يحتمل أن يكون مدركا للركعة كما لو قام إلى خامسة فأدركه مأموم فيها .

والمنصوص في الأم أنه لا يكون [ ص: 114 ] مدركا ; لأن ذلك غير محسوب للإمام ، ويخالف الخامسة ; لأن هناك قد أتى بها المأموم وههنا لم يأت بما فاته مع الإمام ) .


( الشرح ) قال الشافعي والأصحاب - رحمهم الله - : إذا نسي الإمام تسبيح الركوع فاعتدل ثم تذكره لم يجز له أن يعود إلى الركوع ليسبح ; لأن التسبيح سنة فلا يجوز أن يرجع من الاعتدال الواجب إليه فإن عاد إليه عالما بتحريمه بطلت صلاته ، ولا يصح اقتداء أحد به ، وإن عاد إليه جاهلا بتحريمه لم تبطل صلاته ; لأنه معذور ، ولكن هذا الرجوع لغو غير محسوب من صلاته ، فإن اقتدى به مسبوق ، والحالة هذه ، وهو في الركوع الذي هو لغو والمسبوق جاهل بالحال صح اقتداؤه ، وهل تحسب له هذه الركعة بإدراك هذا الركوع ؟ فيه وجهان ( الصحيح ) باتفاق الأصحاب ، وهو المنصوص في الأم : أنها لا تحسب ; لأن الركوع لغو في حق الإمام ، وكذا في حق المأموم ، ولأن الإمام ليس في الركوع ، وإنما هو في الاعتدال حكما والمدرك في الاعتدال لا تحسب له الركعة ( والثاني ) : تحسب .

واحتجوا له بالقياس على من أدرك الإمام في خامسة قام إليها جاهلا وأدرك معه القيام ، وقرأ الفاتحة ، فإن هذه الركعة تحسب للمسبوق ، وإن كانت غير محسوبة للإمام ، وهذا الوجه غلط وقياسه على الخامسة باطل ; لأنه ليس نظير مسألتنا ; لأنه في الخامسة أدركها بكمالها ، ولم يحمل الإمام عنه شيئا وفي مسألتنا لم يدرك القيام والقراءة ، ولا الركوع المحسوب للإمام ، فلا يصح القياس ، وإنما نظيره أن يدركه في ركوع الخامسة وحينئذ لا يحسب له الركعة على المذهب الصحيح ، وبه قطع الجمهور في الطريقتين ، وحكى إمام الحرمين عن الشيخ أبي علي السنجي بكسر السين المهملة وإسكان النون وبالجيم وجها ضعيفا جدا أنه يكون مدركا للركعة ، وذكر وجها بعيدا مزيفا أنه إذا أدرك مع الإمام جميع الخامسة وهما جاهلان بأنها الخامسة وقرأ الفاتحة لا يكون مدركا للركعة ، ولكن صلاته منعقدة ، وهو خلاف المذهب بل الصواب المشهور أنه مدرك للركعة والحالة هذه ، ولو أدرك معه جميع ثالثة من الجمعة قام إليها ساهيا ، فإن قلنا في غير الجمعة لا تحسب له الركعة لم تحسب هنا ركعة من الجمعة ، ولا من الظهر .

وإن قلنا : تحسب ، فهنا وجهان بناء على القولين فيما لو بان إمام الجمعة محدثا ، واختار ابن الحداد [ ص: 115 ] هنا أنه لا تحسب له الركعة ، أما إذا كان الإمام محدثا فحكم إدراك المسبوق له في ركوعه حكم إدراكه في ركوع الخامسة ، فالصحيح أنه لا تحسب له الركعة أما إذا كان الإمام متطهرا فأدركه مسبوق في الركوع فاقتدى به ثم أحدث الإمام في السجود فإن المسبوق يكون مدركا لتلك الركعة بلا خلاف ، لأنه أدرك ركوعا محسوبا للإمام . ذكره البغوي وغيره وهو ظاهر ، أما إذا قام الإمام إلى خامسة جاهلا فاقتدى به مسبوق عالما بأنها خامسة فالصحيح المشهور الذي قطع به الأصحاب في معظم الطرق : أنه لا تنعقد صلاته ; لأنه دخل في ركعة يعلم أنها لغو ، وحكى البغوي عن القفال أن صلاته تنعقد جماعة ; لأن الإمام في صلاة ، ولكن لا يتابعه في الأفعال ، بل بمجرد إحرامه يقعد ينتظر الإمام ; لأن التشهد محسوب للإمام ، قال البغوي : وعلى هذا لو نسي الإمام سجدة من الركعة الأولى فاقتدى به مسبوق في قيام الثانية مع علمه بحاله - ففي انعقادها هذا الخلاف ، الصحيح : لا تنعقد ، والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية