صفحة جزء
قال المصنف رحمه الله تعالى ( إن اشتبه الماء الطاهر بالماء النجس على أعمى ففيه قولان : قال في حرملة : لا يتحرى ( لأن عليه أمارات تتعلق بالبصر ، فهو كالقبلة ) ، وقال في الأم : يتحرى ( لأن له طريقا إلى إدراكه بالسمع والشم فيتحرى فيه ) كما يتحرى في وقت الصلاة ، فإن قلنا يتحرى فلم يكن له دلالة على الأغلب عنده فوجهان : ( أحدهما ) لا يقلد لأن من جاز له الاجتهاد في شيء لا يقلد فيه غيره كالبصير ، ( والثاني ) يقلد وهو ظاهر نصه في الأم لأن أمارته تتعلق بالبصير وغيره ، فإذا لم يغلب على ظنه دل على أن أماراته تعلقت بالبصر فصار كالأعمى في القبلة ) .


( الشرح ) : اتفقوا على أن الأعمى يجتهد في أوقات الصلاة ولا يجتهد في القبلة وفي الأواني قولان ، الصحيح منهما عند الأصحاب جواز الاجتهاد وقطع به جماعات منهم الفوراني والماوردي والمحاملي في المقنع والغزالي في الوجيز وغيرهم . وقال الشيخ أبو حامد في التعليق قال أصحابنا : البصير والأعمى في الأواني سواء ، ولم يذكر فيه خلافا ، وشذ عن الأصحاب أبو العباس الجرجاني فقطع في كتابيه التحرير والبلغة بأنه لا يتحرى ، وهذا شاذ متروك نبهت عليه لئلا يغتر به . [ ص: 249 ] فإن قلنا يجتهد فاجتهد فلم يظهر له شيء فوجهان ، ذكر المصنف دليلهما أصحهما له التقليد وهو ظاهر نصه في الأم ، والثاني لا ، فإن قلنا : لا يقلد أو قلنا يقلد . فلم يجد من يقلده أو وجد بصيرا وقلده فتحير البصير أيضا قال ابن الصباغ قال الشافعي : لا يتيمم ، ولكن يخمن أكثر ما يقدر عليه ويتوضأ ويصلي ، ولم يذكر الإعادة ، قال القاضي أبو الطيب : عندي تجب الإعادة لأنه لم تثبت طهارة الماء عنده بأمارة . وقال الشيخ أبو حامد : يتيمم ويصلي ويعيد لأنه لم يعلم طهارة الماء ولا ظنها ، قال ابن الصباغ : قول القاضي موافق للنص وقول الشيخ أبي حامد أقيس قال : فإن قيل فالأصل الطهارة فالجواب أن يقين النجاسة في أحدهما منع العمل بالأصل بدليل وجوب التحري . هذا كلام ابن الصباغ ، وقول الشيخ أبي حامد هو الصحيح الجاري على قاعدة المذهب وعلى الأصول ، والنص يتأول على من ظن طهارته بعلامة أو على غير ذلك والله أعلم . وقول المصنف ( لم يكن دلالة ) هو بفتح الدال وكسرها لغتان مشهورتان ويقال : دلولة بضم الدال حكاها الجوهري وهي العلامة .

التالي السابق


الخدمات العلمية