صفحة جزء
قال المصنف - رحمه الله تعالى - : ( ولا تصح إمامة الكافر ; لأنه ليس من أهل الصلاة [ فلا يجوز أن يعلق صلاته على صلاته ] ، فإن تقدم وصلى بقوم لم يكن ذلك إسلاما منه ; لأنه من فروع الإيمان فلا يصير بفعله مسلما ، كما لو صام رمضان أو زكى المال ، وأما من صلى خلفه فإن علم بحاله لم تصح صلاته ; لأنه علق صلاته بصلاة باطلة ، وإن لم يعلم ثم علم نظرت فإن كان كافرا متظاهرا بكفره لزمه الإعادة ; لأنه مفرط في صلاته خلفه ; لأن على كفره أمارة من الغيار ، وإن كان مستترا بكفره ففيه وجهان : ( أحدهما ) : لا تصح ; لأنه ليس من أهل الصلاة فلا تصح خلفه ، كما لو كان متظاهرا بكفره ( والثاني ) : تصح ; لأنه غير مفرط في الائتمام به ) .


( الشرح ) الأمارة بفتح الهمزة ويقال الأمار بلا هاء ، وهي العلامة على الشيء والغيار بكسر الغين ولا تصح الصلاة خلف أحد من الكفار على اختلاف أنواعهم ، وكذا المبتدع الذي يكفر ببدعته فإن صلى خلفه جاهلا بكفره فإن كان متظاهرا بكفره كيهودي ونصراني ومجوسي ووثني وغيرهم لزمه إعادة الصلاة بلا خلاف عندنا .

وقال المزني : لا يلزمه ، فإن كان مستترا به كمرتد ودهري وزنديق ومكفر ببدعة يخفيها وغيرهم [ ص: 148 ] فوجهان مشهوران ، ذكر المصنف دليلهما ( الصحيح ) منهما عند الجمهور وقول عامة أصحابنا المتقدمين : وجوب الإعادة وصحح البغوي والرافعي وطائفة قليلون : أنه لا إعادة ، والمذهب الوجوب وممن صححه الشيخ أبو حامد والماوردي والقاضي أبو الطيب والبندنيجي والمحاملي وصاحب العدة والشيخ نصر وخلائق قال أبو حامد : والمنصوص لزوم الإعادة ، وهو المذهب ، وقال الماوردي : مذهب الشافعي وعامة أصحابه وجوب الإعادة قال : وغلط من لم يوجب الإعادة ، وإذا صلى الكافر الأصلي إماما أو مأموما أو منفردا أو في مسجد أو غيره لم يصر بذلك مسلما ، سواء كان في دار الحرب أو دار الإسلام ، نص عليه الشافعي في الأم والمختصر ، وصرح به الجمهور وقال القاضي أبو الطيب : إن صلى في دار الحرب كان إسلاما ، وتابعه على ذلك المصنف والشيخ أبو إسحاق ، وقال المحاملي : يحكم بإسلامه في الظاهر ، ولكن لا يلزمه حكم الإسلام ، وقال صاحب التتمة : إذا صلى حربي أو مرتد في دار الحرب قال الشافعي : يحكم بإسلامه بشرط أن لا يعلم أن هناك مسلما يقصد الاستهزاء ، ومغايظته بالصلاة ، وذكر صاحب الشامل أن المذهب : أنه لا يحكم بإسلامه ثم حكى قول أبي الطيب [ ثم قال : وهذا لم أره لغيره واتفق المتأخرون الذين حكوا قول القاضي أبي الطيب ] على أنه ضعيف ، وأن المذهب : أنه لا يحكم بإسلامه كما نص عليه الشافعي والمتقدمون ، وهذا النص الذي حكاه صاحب التتمة غريب ضعيف .

قال أصحابنا : وصورة المسألة إذا صلى ، ولم يسمع منه الشهادتان فإن سمعتا منه في التشهد أو غيره فوجهان مشهوران : ( الصحيح ) وبه قطع الأكثرون : أنه يحكم بإسلامه ( والثاني ) لا يحكم حتى يأتي بالشهادتين باستدعاء غيره ، أو بأن يقول : أريد الإسلام ثم يأتي بهما ويجري الوجهان : فيما لو أتى بالشهادتين في الآذان أو غيره لا بعد استدعاء ولا حاكيا ، ، والصحيح : الحكم بإسلامه وقد سبقت المسألة مبسوطة في باب الآذان ، وممن حكى الوجهين : أبو علي بن أبي هريرة ، والشيخ أبو حامد والقاضي أبو الطيب والبندنيجي والماوردي وابن الصباغ والمتولي والشيخ نصر والشاشي وخلائق غيرهم ، وكلهم ذكروهما في هذا الموضع ، وذكرهما جماعة أيضا في [ ص: 149 ] باب الأذان ومقصودي بهذا : أن بعض كبار المتأخرين المصنفين نقلهما عن صاحب البيان مستغربا لهما - وبالله التوفيق - قال الشافعي في الأم والمختصر والأصحاب - رحمهم الله - : وإذا صلى الكافر بالمسلمين عزر لإفساده صلاتهم وتلاعبه واستهزائه ، وأما قول المصنف : لا يحكم بإسلامه كما لو صام رمضان وزكى المال ، فمراده : الاستدلال على أبي حنيفة - رحمه الله - فإنه قال : يحكم بإسلامه إذا صلى في جماعة أو في مسجد ، فألزمه أصحابنا الصوم والزكاة ، وحكى الخراسانيون وجها لأصحابنا أنه إذا أقر بوجوب صوم أو صلاة أو زكاة حكم بإسلامه بلا شهادة ، وضابطه على هذا الوجه : أن كل ما يصير المسلم كافرا بجحده يصير الكافر مسلما بإقراره به ، والصحيح المشهور : لا يصير ، والله أعلم .

( فرع ) في مذاهب العلماء في صلاة الكافر قد ذكرنا أن المشهور من مذهبنا أنه لا يحكم بإسلامه بمجرد الصلاة ، وبه قال الأوزاعي ومالك وأبو ثور وداود ، قال أبو حنيفة : إن صلى في المسجد في جماعة أو منفردا أو خارج المسجد في جماعة أو حج وطاف ، أو تجرد للإحرام ولبى ووقف بعرفة صار مسلما .

وقال أحمد : إن صلى منفردا أو خارج المسجد حكم بإسلامه .

واحتج لأبي حنيفة بقوله تعالى ( { إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله } ) وبقوله صلى الله عليه وسلم { من صلى صلاتنا واستقبل قبلتنا وأكل ذبيحتنا فذلك المسلم الذي له ذمة الله وذمة رسوله صلى الله عليه وسلم } رواه البخاري من رواية أنس وبحديث أبي سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { إذا رأيتم الرجل يتعاهد المسجد فاشهدوا له بالإيمان } رواه الترمذي وقال : حديث حسن ، وقال الحاكم : صحيح .

وبحديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { نهيت عن قتل المصلين } رواه أبو داود .

واحتج أصحابنا بحديث ابن عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال { أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا [ ص: 150 ] رسول الله } رواه البخاري ومسلم ، والجواب عن الآية : أن مجرد صلاة واحدة ليس عمارة ، وعن الحديث الأول : أنا لا نعلم أن هذه الصلاة صلاتنا ، وعن الثاني : أن ظاهره وهو مجرد اعتياد المساجد غير مراد فلا بد فيه من إضمار فيحمل على غير الكافر ، وعن الثالث : أنه حديث ضعيف .

ولو صح لكان معناه من عرف بالصلاة الصحيحة .

التالي السابق


الخدمات العلمية