صفحة جزء
قال المصنف - رحمه الله تعالى - ( وتجوز الصلاة خلف الفاسق لقوله صلى الله عليه وسلم { صلوا خلف من قال : لا إله إلا الله ، وعلى من قال : لا إله إلا الله } ولأن ابن عمر رضي الله عنهما صلى خلف الحجاج مع فسقه ) .


( الشرح ) هذا الحديث ضعيف رواه الدارقطني والبيهقي من رواية ابن عمر بإسناد ضعيف ، ورواه الدارقطني من طرق كثيرة ثم قال : وليس منها شيء يثبت .

وأما صلاة ابن عمر خلف الحجاج بن يوسف فثابتة في صحيح البخاري ، وغيره في الصحيح أحاديث كثيرة تدل على صحة الصلاة وراء الفساق والأئمة الجائرين قال أصحابنا : الصلاة وراء الفاسق صحيحة ليست محرمة ، لكنها مكروهة ، وكذا تكره وراء المبتدع الذي لا يكفر ببدعته ، وتصح ، فإن كفر ببدعته فقد قدمنا أنه لا تصح الصلاة وراءه كسائر الكفار ، ونص الشافعي في المختصر على كراهة الصلاة خلف الفاسق والمبتدع ، فإن فعلها صحت ، وقال مالك : لا تصح وراء فاسق بغير تأويل كشارب الخمر والزاني ، وذهب جمهور العلماء إلى صحتها .

( فرع ) قد ذكرنا أن من يكفر ببدعته لا تصح الصلاة وراءه ، ومن لا يكفر تصح ، فممن يكفر من يجسم تجسيما صريحا ، ومن ينكر العلم بالجزئيات ، وأما من يقول بخلق القرآن فهو مبتدع .

واختلف أصحابنا في تكفيره فأطلق أبو علي الطبري في الإفصاح والشيخ أبو حامد الإسفراييني ومتابعوه القول بأنه كافر .

قال أبو حامد ومتابعوه : المعتزلة كفار ، والخوارج ليسوا بكفار ، ونقل المتولي تكفير من يقول بخلق القرآن عن الشافعي .

[ ص: 151 ] وقال القفال وكثيرون من الأصحاب : يجوز الاقتداء بمن يقول بخلق القرآن وغيره من أهل البدع ، قال صاحب العدة : هذا هو المذهب ( قلت ) : وهذا هو الصواب فقد قال الشافعي رحمه الله : أقبل شهادة أهل الأهواء إلا الخطابية ; لأنهم يرون الشهادة بالزور لموافقيهم ولم يزل السلف والخلف يرون الصلاة وراء المعتزلة ونحوهم ومناكحتهم وموارثتهم وإجراء سائر الأحكام عليهم .

وقد تأول الإمام الحافظ الفقيه أبو بكر البيهقي وغيره من أصحابنا المحققين ما نقل عن الشافعي وغيره من العلماء من تكفير القائل بخلق القرآن ، على أن المراد كفران النعمة لا بكفران الخروج عن الملة ، وحملهم على هذا التأويل ما ذكرته من إجراء أحكام الإسلام عليهم .

قال ابن المنذر : أجاز الشافعي الصلاة خلف من أقامها ، يعني من أهل البدع ، وإن كان غير محمود في دينه [ أي ] أن أبلغ في مخالفة حد الدين هذا لفظه ، قال ابن المنذر : إن كفر ببدعة لم تجز الصلاة وراءه ، وإلا فتجوز وغيره أولى .

التالي السابق


الخدمات العلمية