صفحة جزء
قال المصنف - رحمه الله تعالى - : ( ويجوز للقائم أن يصلي خلف القاعد ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم { صلى جالسا ، والناس خلفه قيام } ويجوز للراكع والساجد أن يصلي خلف المومئ إلى الركوع والسجود ; لأنه ركن من أركان الصلاة فجاز للقادر عليه أن يأتم بالعاجز عنه كالقيام ) .


( الشرح ) هذا الحديث في الصحيحين كما سنوضحه في فرع مذاهب العلماء إن شاء الله - تعالى ، وكانت هذه الصلاة صلاة الظهر يوم السبت أو الأحد ، وتوفي صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين رواه البيهقي .

وقول المصنف : ركن من أركان الصلاة احتراز من الشرط ، وهو العجز عن طهارة الحدث أو النجس ، لكن يرد عليه اقتداء القارئ بالأمي فإنه لا يجوز على الأصح مع أنه ركن عجز عنه ، فكان ينبغي أن يقول : ركن فعلي ليحترز عنه قال الشافعي والأصحاب : يجوز للقادر على القيام الصلاة وراء القاعد العاجز ، وللقاعد وراء المضطجع ، وللقادر على الركوع والسجود وراء المومئ بهما ، ولا يجوز للقادر على كل شيء من ذلك موافقة العاجز في ترك القيام أو القعود أو الركوع أو السجود ، ولا خلاف في شيء من هذا عندنا .

( فرع ) قال الشافعي والأصحاب : يستحب للإمام إذا لم يستطع القيام استخلاف من يصلي بالجماعة قائما ، كما استخلف النبي صلى الله عليه وسلم ولأن فيه خروجا من خلاف من منع الاقتداء بالقاعد ; لأن القائم أكمل وأقرب إلى إكمال هيئات الصلاة ، واعترض بعض الناس على الشافعي حيث قال : يستحب له الاستخلاف مع أن النبي صلى الله عليه وسلم أم قاعدا وأجاب الأصحاب بجوابين : ( أحدهما ) : أن النبي صلى الله عليه وسلم فعل الأمرين ، وكان الاستخلاف أكثر ، فدل على فضيلته ، وأم قاعدا في بعض الصلوات لبيان الجواز ( الجواب الثاني ) : أن الصلاة خلفه قاعدا أفضل منها خلف غيره قائما بدرجات بخلاف غيره .

( فرع ) ( في مذهب العلماء ) قد ذكرنا أن مذهبنا جواز صلاة القائم خلف القاعد العاجز ، وأنه لا تجوز صلاتهم وراءه قعودا ، وبهذا قال الثوري [ ص: 162 ] وأبو حنيفة وأبو ثور والحميدي وبعض المالكية ، وقال الأوزاعي وأحمد وإسحاق وابن المنذر : تجوز صلاتهم وراءه قعودا ، ولا تجوز قياما ، وقال مالك في رواية ، وبعض أصحابه : لا تصح الصلاة وراءه قاعدا مطلقا .

واحتج لمن قال : لا تصح الصلاة مطلقا بحديث رواه الدارقطني والبيهقي وغيرهما عن جابر الجعفي عن الشعبي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال { لا يؤمن أحد بعدي جالسا } .

واحتج الأوزاعي وأحمد بحديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال { إنما جعل الإمام ليؤتم به فإذا كبر فكبروا ، وإذا ركع فاركعوا ، وإذا صلى جالسا فصلوا جلوسا أجمعون } رواه البخاري ومسلم ، وفي الصحيحين عن عائشة وأبي هريرة مثله .

واحتج الشافعي والأصحاب بحديث عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم { أمر في مرضه الذي توفي فيه أبا بكر رضي الله عنه أن يصلي بالناس فلما دخل في الصلاة وجد رسول الله صلى الله عليه وسلم من نفسه خفة فقام يهادي بين رجلين ، ورجلاه يخطان في الأرض فجاء فجلس عن يسار أبي بكر فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بالناس جالسا ، وأبو بكر قائما يقتدي أبو بكر بصلاة النبي صلى الله عليه وسلم ويقتدي الناس بصلاة أبي بكر } رواه البخاري ومسلم ، هذا لفظ إحدى روايات مسلم ، وهي صريحة في أن النبي صلى الله عليه وسلم كان الإمام ; لأنه جلس عن يسار أبي بكر ، ولقوله : يصلي بالناس ولقوله : يقتدي به أبو بكر ، وفي رواية لمسلم " وكان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي بالناس وأبو بكر يسمعهم التكبير " وقوله : يسمعهم التكبير يعني أنه يرفع صوته بالتكبير إذا كبر النبي صلى الله عليه وسلم وإنما فعله ; لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ضعيف الصوت حينئذ بسبب المرض ، وفي رواية البخاري ومسلم { أن النبي صلى الله عليه وسلم جلس إلى جنب أبي بكر فجعل أبو بكر يصلي ، وهو قائم بصلاة النبي صلى الله عليه وسلم والناس يصلون بصلاة أبي بكر والنبي صلى الله عليه وسلم قاعد } وروياه من طرق كثيرة كلها دالة على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان [ ص: 163 ] الإمام وأبو بكر يقتدي به ، ويسمع الناس التكبير ، وهكذا رواه معظم الرواة .

قال الشافعي والأصحاب وغيرهم من علماء المحدثين والفقهاء : هذه الروايات صريحة في نسخ الحديث السابق أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { وإذا صلى جالسا فصلوا جلوسا أجمعون } فإن ذلك كان في مرض قبل هذا بزمان ، حين آلى من نسائه ، وقد روي من روايات قليلة ذكرها البيهقي وغيره " { أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في مرض وفاته خلف أبي بكر فجعل أبو بكر يصلي ، وهو قائم بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس يصلون بصلاة أبي بكر والنبي صلى الله عليه وسلم قال } ورويناه من طرق كثيرة .

وأجاب الشافعي والأصحاب عنها إن صحت فإنها كانت مرتين مرة صلى النبي صلى الله عليه وسلم وراء أبي بكر ومرة أبو بكر وراءه ، ويحصل المقصود ، وهو أن صلاة القادر وراء القاعد لا تجوز إلا قائما .

وأما الجواب عن حديث : " لا يؤمن أحد بعدي جالسا " فقال الدارقطني والبيهقي وغيرهما من الأئمة : هو مرسل ضعيف ، وأن جابرا الجعفي متفق على ضعفه ، ورد رواياته ، قالوا : ولا يرويه غير الجعفي عن الشعبي ، قال الشافعي - رحمه الله - : قد علم الذي احتج بهذا أنه ليس فيه حجة وأنه لا يثبت ; لأنه مرسل ، ولأنه عن رجل يرغب الناس عن الرواية عنه والله أعلم .

( فرع ) ( في مذاهبهم في صلاة الراكع والساجد خلف المومئ إليها ) قد ذكرنا أن مذهبنا جوازها وبه قال زفر ، وقال أبو حنيفة ومالك وأبو يوسف ومحمد : لا تجوز .

التالي السابق


الخدمات العلمية