صفحة جزء
قال المصنف - - رحمه الله تعالى ( وفي صلاة القارئ خلف الأمي ، وهو من لا يحسن الفاتحة ، أو خلف الأرت والألثغ قولان أحدهما ; لأنه ركن من أركان الصلاة فجاز للقادر عليه أن يأتم بالعاجز عنه كالقيام ( والثاني ) لا تجوز ; لأنه يحتاج أن يحمل [ ص: 164 ] قراءته ، وهو يعجز عن ذلك فلا يجوز أن ينتصب للتحمل كالإمام الأعظم إذا عجز عن تحمل أعباء الأمة ) .


( الشرح ) الأعباء - بفتح الهمزة وبالعين المهملة والباء الموحدة وبالمد - جمع عبء - بكسر العين وإسكان الباء بعدهما همزة - كحمل وأحمال ، والعبء : الثقل ، والأعباء الأثقال ، وقوله : عجز - بفتح الجيم - يعجز - بكسرها - ويجوز عكسه لغتان الأولى أفصح ، وقوله : ركن احتراز من الشرط ، وهو إذا لم يجد ماء ولا ترابا وصلى بحاله ، وكذا من عليه نجاسة عجز عن إزالتها فلا يجوز الاقتداء بهما ( وقوله ) : الأرت : هو من يدغم حرفا في حرف في غير موضع الإدغام والألثغ من يبدل حرفا بحرف كالراء بالغين والسين بالثاء وغير ذلك .

( أما حكم المسألة ) فقال أصحابنا : الأمي ما لا يحسن الفاتحة بكمالها سواء كان لا يحفظها ، أو يحفظها كلها إلا حرفا ، أو يخفف مشددا لرخاوة في لسانه أو غير ذلك ، وسواء كان ذلك لخرس أو غيره فهذا الأمي والأرت والألثغ إن كان تمكن من التعلم فصلاته في نفسه باطلة ، فلا يجوز الاقتداء به بلا خلاف ، وإن لم يتمكن بأن كان لسانه لا يطاوعه أو كان الوقت ضيقا ، ولم يتمكن قبل ذلك ; فصلاته في نفسه صحيحة ، فإن اقتدى به من هو في مثل حاله صح اقتداؤه بالاتفاق ; لأنه مثله فصلاته صحيحة ، وإن اقتدى به قارئ لا يحفظ الفاتحة كلها أو يحفظ منها شيئا لا يحفظه الأمي ، ففيه قولان منصوصان ، وثالث مخرج ( أصحهما ) وهو الجديد : لا يصح الاقتداء به ( والقديم ) إن كانت صلاة جهرية لم تصح ، وإن كانت سرية صحت .

( والثالث ) المخرج خرجه أبو إسحاق المروزي ، وحكاه البندنيجي عنه ، وعن ابن سريج أنه يصح مطلقا ، ودليل الجميع يفهم مما ذكره المصنف واحتجوا للقديم بأن الإمام يتحمل عن المأموم القراءة في الجهرية على القديم هكذا ذكر الأقوال الثلاثة جمهور أصحابنا العراقيين والخراسانيين ، منهم الشيخ أبو حامد وأصحابه ، وصاحب الحاوي والقاضي أبو الطيب ، والمحاملي في كتابه ، وصاحب الشامل والشيخ نصر وخلائق من العراقيين ، والقاضي حسين والمتولي وصاحب العدة وآخرون من الخراسانيين .

[ ص: 165 ] وقال إمام الحرمين والغزالي : ( الجديد ) : أنه لا يصح الاقتداء به ، والقديم : يصح ، وهذا نقل فاسد عكس المذهب ، فالصواب ما سبق ، واتفق المصنفون على أن الصحيح بطلان الاقتداء ، وهو مذهب مالك وأبي حنيفة وأحمد وغيرهم ، واختار المزني وأبو ثور وابن المنذر صحته مطلقا ، وهو مذهب عطاء وقتادة ، واحتج لهم بالقياس على العجز عن القيام كما ذكر المصنف ، وفرق أصحابنا بأن العجز عن القيام ليس بنقص ، وجهل القراءة نقص فهو كالكفر والأنوثة ، ولأن القيام يعم البلوى بالعجز عنه بخلاف القراءة ، والله أعلم .

واعلم أن الأقوال الثلاثة جارية ، سواء علم المأموم أن الإمام أمي أم جهل ذلك هكذا صرح به الشيخ أبو حامد وغيره ، وهو مقتضى كلام الباقين ، وشذ عنهم صاحب الحاوي فقال : الأقوال إذا كان جاهلا وإن علم لم تصح قطعا ، والمذهب ما قدمناه ولو حضر رجلان كل واحد يحفظ نصف الفاتحة فقط فإن اتفقا في نصف معين جاز الاقتداء ، وإن حفظ أحدهما النصف الأول والآخر الآخر فأيهما صلى خلف صاحبه فهو قارئ خلف أمي وهذا يفهم مما قدمته لكن أفردته بالذكر كما أفرده الأصحاب وليتنبه له ، ولو صلى من لا يحفظ الفاتحة لكنه يحفظ سبع آيات غيرها خلف من لا يحفظ قرآنا بل يصلي بالأذكار فهو صلاة قارئ خلف أمي ، خرجه أبو علي وغيره ، ولو اقتدى أرت بألثغ فهو قارئ خلف أمي ; لأنه يحسن شيئا لا يحسنه ، والله أعلم .

( فرع ) إذا صلى القارئ خلف أمي بطلت صلاة المأموم ، وصحت صلاة الإمام ، وكذا المأمومون الأميون كما قدمناه ، هذا مذهبنا ، ومذهب أحمد وقال أبو حنيفة ومالك : تبطل صلاة الإمام والمأموم والقارئ والأمي ; لأنه أمكنه الصلاة خلف قارئ فبطلت صلاته لترك قراءة قدر عليها .

واحتج أصحابنا بأنه اقتدى بمن لا يجوز اقتداؤه فلم تبطل صلاة الإمام بسبب اقتداء المأموم كما لو صلت امرأة برجال قال أصحابنا : وإنما قلنا بسبب اقتداء المأموم لئلا يوردوا ما إذا صلت المرأة الجمعة برجال ، فإن فيها وجهين : حكاهما القاضي أبو الطيب وهذه المسألة من تعليقه ( أرجحهما ) : تبطل صلاتها ( والثاني ) : تنعقد ظهرا ، وبه قطع الشيخ أبو حامد في هذا الموضع من تعليقه فعلى هذا لا يصح الإيراد ( وإن قلنا ) : تبطل فما بطلت [ ص: 166 ] لبطلان صلاة المأموم بل لعدم شرط الجمعة ، وهو إمامة رجل ، قال أصحابنا : ولأن الأصول المقررة متفقة على أن الفساد لا يتعدى من صلاة الإمام إلى المأموم ( والجواب ) عما قالوه : لا نسلم أنه أمكنه القراءة ; لأن عندنا تجب القراءة على المأموم ، ولأنه ينتقض بالأخرس إذا أم ناطقا فإنه أمكنه أن يصلي خلفه ، وصلاته صحيحة ، وينتقض بالأمي إذا أمكنه أن يصلي خلف قارئ فصلى منفردا صحت بالاتفاق ، والله أعلم .

( فرع ) إذا لحن في القراءة كرهت إمامته مطلقا ، فإن كان لحنا لا يغير المعنى كرفع الهاء من ( الحمد لله ) كانت كراهة تنزيه ، وصحت صلاته وصلاة من اقتدى به ، وإن كان لحنا يغير المعنى كضم التاء من ( أنعمت ) أو كسرها ، أو يبطله بأن يقول ( الصراط المستقين ) فإن كان لسانه يطاوعه وأمكنه التعلم فهو مرتكب للحرام ويلزمه المبادرة بالتعلم ، فإن قصر وضاق الوقت لزمه أن يصلي ويقضي : ولا يصح الاقتداء به ، وإن لم يطاوعه لسانه أو لم يمض ما يمكن التعلم فيه صلاة مثله خلفه صحيحة ، وصلاة صحيح اللسان خلفه كصلاة قارئ خلف أمي ، وإن كان في غير الفاتحة صحت صلاته وصلاة كل أحد خلفه ; لأن ترك السورة لا يبطل الصلاة فلا يمنع الاقتداء .

قال إمام الحرمين : ولو قيل ليس لهذا اللاحن قراءة غير الفاتحة مما يلحن فيه لم يكن بعيدا ; لأنه يتكلم بما ليس قرآنا بلا ضرورة ، والله أعلم .

قال البندنيجي : ولو صلى القارئ خلف من ينطق بالحرف بين حرفين كقاف غير خالصة بل مترددة بين كاف وقاف صحت صلاته مع الكراهة ، وهذا الذي ذكره فيه نظر ; لأنه لم يأت بهذا الحرف ، وممن ذكر نحو كلام البندنيجي الشيخ أبو حامد .

( فرع ) لو اقتدى قارئ بمن ظنه قارئا فبان أميا ، وقلنا : لا تصح صلاة القارئ خلف أمي ففي وجوب الإعادة وجهان : ( أصحهما ) تجب ، وبه [ ص: 167 ] قطع البغوي وغيره ، وهو مقتضى كلام الجمهور ، وسواء كانت صلاة سرية أو جهرية ، ولو اقتدى بمن لا يعرف في صلاة جهرية فلم يجهر وجبت الإعادة بالاتفاق إذا قلنا لا تجوز صلاة قارئ خلف أمي ; نص عليه الشافعي في الأم وصرح به أصحابنا العراقيون وغيرهم ; لأن الظاهر أنه لو كان قارئا لجهر ، فلو سلم وقال : أسررت ونسيت الجهر لم تجب الإعادة ، لكن قالوا تستحب ، ولو بان أميا في أثناء الصلاة ، وقلنا تجب الإعادة بطلت صلاته وإلا فكالمحدث فينوي مفارقته ويتم صلاته ; واتفقوا على أنه لو صلى صلاة سرية خلف من لا يعرف في القراءة صحت صلاته ; نص عليه في الأم .

التالي السابق


الخدمات العلمية