صفحة جزء
قال المصنف - رحمه الله تعالى : ( وإن اجتمع مسافر ومقيم فالمقيم أولى ; لأنه إذا تقدم المقيم أتموا كلهم فلا يختلفون ، وإذا تقدم المسافر اختلفوا [ في الصلاة ] ، وإن اجتمع حر وعبد فالحر أولى ; لأنه موضع كمال ، والحر أكمل ، وإن اجتمع فاسق وعدل فالعدل أولى ; لأنه أفضل ، وإن اجتمع ولد زنا وغيره فغيره أولى ; لأنه كرهه عمر بن عبد العزيز ومجاهد .

وإن اجتمع بصير وأعمى فالمنصوص أنهما سواء ; لأن في الأعمى فضيلة ، وهو أنه لا يرى ما يلهيه ، وفي البصير فضيلة ، وهو أنه يجتنب النجاسة ، وقال أبو إسحاق المروزي : الأعمى أولى ، وعندي أن البصير أولى ; لأنه يجتنب النجاسة التي تفسد الصلاة والأعمى يترك النظر إلى ما يلهيه ، وذلك لا تفسد الصلاة به )


[ ص: 181 ] الشرح ) هذه المسائل كلها كما قالها في الأحكام والدلائل ، إلا أن مسألة البصير والأعمى فيها ثلاثة أوجه : مشهورة ، ذكر المصنف منها وجهين : واختار الثالث لنفسه ، وهو ترجيح البصير وجعله اختيارا له ، ولم يحكه وجها للأصحاب .

وهو وجه حكاه شيخه القاضي أبو الطيب في تعليقه وصاحب التتمة والرافعي وآخرون ( والصحيح ) عند الأصحاب أن البصير والأعمى سواء كما نص عليه الشافعي .

وبه قطع الشيخ أبو حامد وآخرون .

واتفقوا على أنه لا كراهة في إمامة الأعمى للبصراء

قال أصحابنا : ويقدم العدل على فاسق أفقه وأقرأ منه ; لأن الصلاة وراء الفاسق وإن كانت صحيحة فهي مكروهة

. قال أصحابنا : والبالغ أولى من الصبي وإن كان أفقه وأقرأ ; لأن صلاة البالغ واجبة عليه .

فهو أحرص على المحافظة على حدودها ، ولأنه مجمع على صحة الاقتداء به بخلاف الصبي ، ولو اجتمع صبي حر وبالغ عبد فالعبد أولى ; لما ذكرناه .

نقله القاضي أبو الطيب وآخرون في كتاب الجنائز ، ولو اجتمع حر غير فقيه [ وعبد فقيه ] فأيهما أولى ؟ فيه ثلاثة أوجه : كالبصير والأعمى ( الصحيح ) تساويهما .

قال أصحابنا : والحرة أولى من الأمة ; لأنها أكمل ، ولأنه يلزمها ستر رأسها .

( فرع ) ذكر المصنف والأصحاب أن المقيم أولى من المسافر ، فلو صلى المسافر بمقيم فهو خلاف الأولى ، وهل هو مكروه كراهة تنزيه ؟ فيه قولان حكاهما البندنيجي والشيخ أبو حامد والقاضي أبو الطيب وآخرون ، وقال في الأم : يكره ، وفي الإملاء : لا يكره ، وهو الأصح ; لأنه لم يصح فيه نهي شرعي ، هذا إذا لم يكن فيهم السلطان أو نائبه ، فإن كان فهو أحق بالإمامة ، وإن كان مسافرا .

ذكره الشيخ أبو حامد والبندنيجي والقاضي أبو الطيب وآخرون ، ولا خلاف فيه ، وكلام المصنف هنا وفي التنبيه محمول على إذا لم يكن فيهم السلطان ولا نائبه

( فرع ) قال البندنيجي وغيره : وإمامة من لا يعرف أبوه كإمامة ولد الزنا فيكون بخلاف الأولى ، وقال البندنيجي : هي مكروهة

( فرع ) الخصي والمجبوب كالفحل في الإمامة لا فضيلة لبعضهم على بعض ، ذكره البندنيجي وغيره

[ ص: 182 ] فرع ) في مسائل تتعلق بالباب ( إحداها ) : الاقتداء بأصحاب المذاهب المخالفين بأن يقتدي شافعي بحنفي ، أو مالكي لا يرى قراءة البسملة في الفاتحة ، ولا إيجاب التشهد الأخير ، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ولا ترتيب الوضوء وشبه ذلك .

وضابطه أن تكون صلاة الإمام صحيحة في اعتقاده دون اعتقاد المأموم أو عكسه لاختلافهما في الفروع ، فيه أربعة أوجه : ( أحدها ) : الصحة مطلقا .

قاله القفال اعتبارا باعتقاد الإمام ( والثاني ) لا يصح اقتداؤه مطلقا ، قاله أبو إسحاق الإسفراييني ; لأنه وإن أتى بما نشترطه ونوجبه فلا يعتقد وجوبه فكأنه لم يأت به ( والثالث ) : إن أتى بما نعتبره نحن لصحة الصلاة صح الاقتداء ، وإن ترك شيئا منه أو شككنا في تركه لم يصح ( والرابع ) : وهو الأصح ، وبه قال أبو إسحاق المروزي والشيخ أبو حامد الإسفراييني والبندنيجي والقاضي أبو الطيب والأكثرون : إن حققنا تركه لشيء نعتبره لم يصح الاقتداء وإن تحققنا الإتيان بجميعه أو شككنا صح ، وهذا يغلب اعتقاد المأموم هذا حاصل الخلاف فيتفرع عليه : لو مس حنفي امرأة أو ترك طمأنينة أو غيرها صح اقتداء الشافعي به عند القفال وخالفه الجمهور وهو الصحيح ، ولو صلى الحنفي على وجه لا يعتقده ، والشافعي يعتقد بأن احتجم أو افتصد ، وصلى صح الاقتداء عند الجمهور وخالفهم القفال

وقال الأودني والحليمي الإمامان الجليلان من أصحابنا : لو أم ولي الأمر أو نائبه وترك البسملة ، والمأموم يرى وجوبها ، صحت صلاته خلفه عالما كان أو ناسيا ، وليس له المفارقة ; لما فيه من الفتنة ، وقال الرافعي : وهذا حسن .

ولو صلى حنفي خلف شافعي على وجه لا يعتقده الحنفي بأن افتصد ففيه الخلاف إن اعتبرنا اعتقاد الإمام صح الاقتداء وإلا فلا .

وإذا صححنا اقتداء أحدهما بالآخر وصلى شافعي الصبح خلف حنفي ومكث الإمام بعد الركوع قليلا وأمكن المأموم القنوت قنت ، وإلا تابعه وترك القنوت ، ويسجد للسهو على الأصح ، وهو اعتبار اعتقاد المأموم ، وإن اعتبرنا اعتقاد الإمام لم يسجد

ولو صلى الحنفي خلف الشافعي الصبح فترك الإمام القنوت وسجد للسهو [ ص: 183 ] تابعه المأموم ، فإن ترك الإمام السجود سجد المأموم إن اعتبرنا اعتقاد الإمام وإلا فلا .

( الثانية ) لو صلت الأمة مكشوفة الرأس بحرائر مستترات صحت صلاة الجميع ; لأن رأسها ليست بعورة بخلاف الحرة ، نص عليه الشافعي ، واتفقوا عليه

( الثالثة ) لا تكره إمامة العبد للعبيد ، ولا للأحرار ، ولكن الحر أولى .

هذا مذهبنا ومذهب الجمهور ، وقال أبو مجلز التابعي : تكره إمامته مطلقا ، وهي رواية عن أبي حنيفة وقال الضحاك : تكره إمامته للأحرار ، ولا تكره للعبيد

التالي السابق


الخدمات العلمية