صفحة جزء
قال المصنف - رحمه الله تعالى - : ( وإن كان بعينه وجع وهو قادر على القيام فقيل له : إن صليت مستلقيا أمكن مداواتك ففيه وجهان : ( أحدهما ) : لا يجوز له ترك القيام لما روي أن ابن عباس " لما وقع في عينه الماء حمل إليه عبد الملك الأطباء على البرد فقيل : إنك تمكث سبعا لا تصلي إلا مستلقيا فسأل عائشة وأم سلمة فنهتاه " ( والثاني ) : يجوز لأنه يخاف الضرر من القيام فأشبه المرض ) .


( الشرح ) قال أصحابنا : إذا كان قادرا على القيام فأصابه رمد أو غيره [ ص: 205 ] من وجع العين أو غيره وقال له طبيب موثوق بدينه ومعرفته : إن صليت مستلقيا أو مضطجعا أمكن مداواتك وإلا خيف عليك العمى ، فليس للشافعي في المسألة نص ولأصحابنا فيها وجهان : مشهوران كما ذكر المصنف ( أصحهما ) عند الجمهور يجوز له الاستلقاء والاضطجاع ، ولا إعادة عليه ( والثاني ) : لا يجوز ، وبه قال الشيخ أبو حامد والبندنيجي ، ودليلهما في الكتاب ، ولو قيل له : إن صليت قاعدا أمكنت المداواة قال إمام الحرمين : يجوز القعود قطعا ، قال الرافعي : ومفهوم كلام غيره أنه على الوجهين ، والمختار أنه على الوجهين ، وممن جوز له الاستلقاء في أصل المسألة من العلماء أبو حنيفة ، وممن منعه عائشة وأم سلمة ومالك والأوزاعي ، وينكر على المصنف قوله في التنبيه : احتمل أن يجوز له ترك القيام ، واحتمل أن لا يجوز - فأوهم أنه لا نقل في المسألة مع أن الوجهين فيها مشهوران ، وهو ممن ذكرهما في المهذب .

وأما الأثر الذي ذكره المصنف عن ابن عباس وسؤاله عائشة وأم سلمة فقد رواه البيهقي بإسناد ضعيف عن أبي الضحى : أن عبد الملك أو غيره بعث إلى ابن عباس بالأطباء على البرد ، وقد وقع الماء في عينيه ، فقالوا : " تصلي سبعة أيام مستلقيا على قفاك فسأل أم سلمة وعائشة عن ذلك فنهتاه " ورواه البيهقي بإسناد صحيح عن عمرو بن دينار قال : " لما وقع في عين ابن عباس الماء أراد أن يعالج منه فقيل : تمكث كذا وكذا يوما لا تصلي إلا مضطجعا فكرهه " وفي رواية قال ابن عباس : " أرأيت إن كان الأجل قبل ذلك ؟ " وأما الذي حكاه الغزالي في الوسيط أنه استفتى عائشة وأبا هريرة فباطل ، لا أصل لذكر أبي هريرة ، وهذا المذكور في المهذب ورواية البيهقي من استفتاء عائشة وأم سلمة أنكره بعض العلماء وقال : هذا باطل من حيث إن عائشة وأم سلمة توفيتا قبل خلافة عبد الملك بأزمان ، وهذا الإنكار باطل فإنه لا يلزم من بعثه أن يبعث في زمن خلافته ، بل بعث في خلافة معاوية وزمن عائشة وأم سلمة ، ولا يستكثر بعث البرد من مثل عبد الملك فإنه كان قبل خلافته من رؤساء بني أمية وأشرافهم وأهل الوجاهة والتمكن وبسطة الدنيا ، فبعث البرد ليس بصعب عليه ، ولا على من دونه بدرجات ، والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية