صفحة جزء
قال المصنف - رحمه الله تعالى - : ( ولا يجوز القصر لمن ائتم بمقيم فإن ائتم بمقيم في جزء من صلاته لزمه أن يتم لأنه اجتمع ما يقتضي القصر والتمام فغلب التمام ، كما لو أحرم بها في السفر ثم أقام ، وإن أراد أن يقصر الظهر خلف من يصلي الجمعة لم يجز لأنه مؤتم بمقيم ولأن الجمعة صلاة تامة فهو كالمؤتم بمن يصلي الظهر تامة ، فإن لم ينو القصر أو نوى الإتمام أو ائتم بمقيم ثم أفسد صلاته لزمه الإتمام ، لأنه فرض لزمه فلا يسقط عنه بالإفساد كحج التطوع ، وإن شك هل أحرم بالصلاة في السفر أو في حضر ؟ أو هل نوى القصر أم لا ؟ أو هل إمامه مسافر أو مقيم ؟ لزمه الإتمام لأن الأصل هو التمام وللقصر أجيز بشروط ، فإذا لم تتحقق الشروط رجع إلى الأصل ، فإن ائتم بمسافر أو بمن الظاهر من حاله أنه مسافر جاز أن ينوي القصر خلفه لأن الظاهر أن الإمام مسافر ، فإن أتم الإمام تبعه في الإتمام لأنه بان أنه ائتم بمقيم أو بمن نرى الإتمام ، وإن أفسد الإمام صلاته وانصرف ولم يعلم المأموم أنه نوى القصر أو الإتمام لزمه أن يتم على المنصوص ، وهو قول أبي إسحاق لأنه شك في عدد الصلاة ، ومن شك في عدد الصلاة لزمه البناء على اليقين لا على غلبة الظن ، والدليل عليه أنه لو شك هل صلى ثلاثا أم أربعا ؟ بنى على اليقين وهو الثلاث وإن غلب على ظنه أنه صلى أربعا ، وحكى أبو العباس أنه قال : له أن يقصر لأنه ائتم بمن الظاهر منه أنه يقصر ) .


[ ص: 234 ] الشرح ) قوله " لا يجوز القصر لمن ائتم بمقيم " فكان الأحسن أن يقول بمتم لأنه أعم ، وكذا قوله في الجمعة لأنه مؤتم بمقيم كان الأحسن : بمتم .

وقول : لأن الجمعة صلاة تامة ، هذا هو الأصح .

وقيل : هي ظهر مقصورة ، وسنوضحه في بابها إن شاء الله - تعالى .

قال الشافعي والأصحاب - رحمهم الله - : شرط القصر أن لا يقتدي بمتم ، فمن اقتدى بمتم في لحظة من صلاته لزمه الإتمام ، سواء كان المتم مقيما أو مسافرا نوى الإتمام أو ترك نية القصر ، ودليله في الكتاب ، ويتصور الاقتداء بالمتم في لحظة في صور ( منها ) أن يدركه قبل السلام ، أو يحدث الإمام عقب إحرام المأموم ، أو ينوي مفارقته عقب الاقتداء أو نحو ذلك ، ولو نوى الظهر مقصورة خلف من يصلي العصر مقصورة جاز له القصر بلا خلاف لأنه لم يقتد بمتم ، ولو نوى الظهر مقصورة خلف من يقضي الصبح فثلاثة أوجه ( أصحها ) باتفاقهم لا يجوز القصر ، وبه قطع الشيخ أبو حامد والبندنيجي والقاضي أبو الطيب والأكثرون لأنه مؤتم بمتم ( والثاني ) يجوز لاتفاقهما في العدد ، حكاه البغوي وغيره ( والثالث ) : إن كان الإمام مسافرا فللمأموم القصر وإلا فلا ، وبهذا قطع المتولي وهو ضعيف جدا ، لأن الصبح لا يختلف المسافر والمقيم فيها ولو نوى الظهر مقصورة خلف الجمعة - مسافرا كان إمامها أو مقيما - فطريقان ( المذهب ) وهو نصه في الإملاء - وبه قطع المصنف والأكثرون : لا يجوز القصر لأنه مؤتم بمتم ( والثاني ) : إن قلنا : هي ظهر مقصورة جاز القصر ، كالظهر مقصورة خلف عصر مقصورة ، وإلا فهي كالصبح ، وممن حكى هذا الطريق البغوي والرافعي ، ولو نوى الظهر خلف من يصلي المغرب في الحضر أو السفر لم يجز القصر بلا خلاف ، ذكره البغوي وغيره ، ومتى علم أو ظن أن إمامه مقيم لزمه الإتمام ، فلو اقتدى به ونوى القصر انعقدت صلاته ولغت نية القصر باتفاق الأصحاب .

قال أصحابنا : وهذا بخلاف المقيم ينوي القصر لا تنعقد صلاته ، لأنه ليس من أهل القصر والمسافر من أهله فلم يضره نيته كما لو شرع في الصلاة بنية القصر ثم نوى الإتمام ، أو صار مقيما فإنه يبني عليها .

أما إذا علم أو ظن إمامه مسافرا ، وعلم أو ظن أنه نوى القصر فله أن يقصر خلفه ، وكذا لو علم أو ظنه مسافرا ولم يدر أنوى القصر أم لا ؟ فله القصر وراءه بالاتفاق [ ص: 235 ] ولا يضره الشك في نية إمامه لأن الظاهر من حال المسافر نية القصر ، ولو عرض هذا الشك في أثناء الصلاة لم يؤثر بل له القصر ولو جهل نية إمامه المسافر فعلق عليها فقال : إن قصر قصرت وإن أتم أتممت فوجهان مشهوران : ( أصحهما ) صحة التعليق ، فإن أتم الإمام أتم ، وإن قصر قصر ، لأن الظاهر من حال المسافر القصر ، ومقتضى الأطلاق هو ما نوى ( والثاني ) : لا يجوز القصر للشك ; وعلى الأول لو فسدت صلاة الإمام أو أفسدها فقال : كنت نويت القصر جاز للمأموم القصر .

وإن قال : كنت نويت الإتمام لزمه الإتمام ، وإن انصرف ولم يظهر للمأموم ما نواه فوجهان مشهوران : ذكرهما المصنف بدليلهما ( أصحهما ) وهو المنصوص ، وقول أبي إسحاق المروزي وعامة أصحابنا يلزمه الإتمام ( والثاني ) قاله ابن سريج له القصر ، ولو لم يخبره إمامه بشيء لكنه عاد فاستأنف صلاته ركعتين فللمأموم القصر وإن صلاها أربعا لزم المأموم الإتمام فيعمل بفعله كما يعمل بقوله ذكره البندنيجي وغيره ، ولو شك هل إمامه مسافر أم مقيم ؟ ولم يترجح له أحد الأمرين لزمه الإتمام سواء بان الإمام متما أو قاصرا أو انصرف وجهل وفيه وجه ضعيف أنه إذا بان قاصرا فله القصر ، حكاه الرافعي وغيره ، أما إذا اقتدى بمتم ثم فسدت صلاة الإمام أو بان محدثا أو فسدت صلاة المأموم فاستأنفها فيلزمه الإتمام بلا خلاف ، وقد ذكر المصنف دليله ، وكذا لو أحرم منفردا ولم ينو القصر ثم فسدت صلاته لزمه الإتمام بلا خلاف ، لالتزامه ذلك بشروع صحيح في الصلاة ، ولو اقتدى بمن ظنه مسافرا قاصرا فبان مقيما أو متما لزمه الإتمام لاقتدائه بمتم ، ولو بان مقيما محدثا نظر إن بان كونه مقيما أولا لزم الإتمام ، وإن بان أولا محدثا ثم بان مقيما أو بانا معا فطريقان أصحهما وأشهرهما على وجهين : ( أصحهما ) القصر ، لأنه لم يصح أقتداؤه ( والثاني ) لا قصر له ، والطريق الثاني : له القصر - وجها واحدا ولو شرع في الصلاة بنية الإتمام أو مطلقا أو كان مقيما ثم بان محدثا ثم سافر - والوقت باق - فله القصر بالاتفاق ، لعدم الشروع الصحيح في الصلاة ، ولو اقتدى بمقيم فبان حدث المأموم فله القصر لعدم شروعه الصحيح ، وكذا لو اقتدى بمن يعرفه محدثا ويعلمه مقيما فله القصر بعد ذلك لأنه لم يصح شروعه .

[ ص: 236 ] فرع ) إذا صلى مسافر بمسافرين ومقيمين جاز ويقصر الإمام والمسافرون ، ويتم المقيمون ويسن للإمام أن يقول عقب سلامه : أتموا فإنا قوم سفر .

( فرع ) إذا شك هل نوى القصر أم لا أو أحرم بالصلاة في الحضر أم في السفر ؟ لزمه الإتمام بالاتفاق ، لأنه الأصل ، وقد ذكر المصنف دليله ، قال أصحابنا : فلو تذكر على قرب أنه نوى القصر وأحرم في الحضر لزمه الإتمام لأنه مضى جزء من صلاته في حال الشك على حكم الإتمام ، بخلاف من أحرم بصلاة ثم شك هل نواها أم لا ؟ فإنه إذا تذكر على قرب ولم يفعل ركنا في حال شكه يستمر في صلاته بلا خلاف ، وسبق بيانه في أول صفة الصلاة .

( فرع ) ( في مذاهب العلماء فيمن اقتدى بمقيم ) قد ذكرنا أن مذهبنا أن المسافر إذا اقتدى بمقيم في جزء من صلاته لزمه الإتمام سواء أدرك معه ركعة أم دونها وبهذا قال أبو حنيفة والأكثرون ، حكاه الشيخ أبو حامد عن عامة العلماء وحكاه ابن المنذر عن ابن عمر وابن عباس وجماعة من التابعين والثوري والأوزاعي وأحمد وأبي ثور وأصحاب الرأي ، وقال الحسن البصري والنخعي والزهري وقتادة ومالك : إن أدرك ركعة فأكثر لزمه الإتمام وإلا فله القصر .

وقال طاووس والشعبي وتميم بن حذلم : إن أدرك ركعتين معه أجزأتاه ، وقال إسحاق بن راهويه : له القصر خلف المتم بكل حال ، فإن فرغت صلاة المأموم تشهد وحده وسلم ، وقام الإمام إلى باقي صلاته وحكاه الشيخ أبو حامد عن طاووس والشعبي وداود .

( فرع ) في مذاهبهم في مسافر اقتدى بمقيم ثم أفسد المأموم صلاته لزمه إعادتها تامة وبه قال مالك وأحمد ورواية عن أبي ثور وقال الثوري وأبو حنيفة وأبو ثور في رواية : يقصر .

( فرع ) في مذاهبهم في مسافر صلى بمسافر ومقيم ; ثم أحدث [ ص: 237 ] الإمام فاستخلف المقيم فصلى خلفه المسافر الآخر ، مذهبنا ومذهب أحمد وداود : يلزمه الإتمام وقال مالك وأبو حنيفة : له القصر .

التالي السابق


الخدمات العلمية