صفحة جزء
قال المصنف - رحمه الله تعالى - : ( وإن فاتته صلاة في السفر فقضاها في الحضر ففيه قولان ، قال في القديم : له أن يقصر لأنها صلاة سفر فكان قضاؤها كأدائها في العدد ، كما لو فاتته في [ ص: 245 ] الحضر فقضاها في السفر .

وقال في الجديد : لا يجوز له القصر ، وهو الأصح لأنه تخفيف تعلق بعذر فزال بزوال العذر ، كالقعود في صلاة المريض ، وإن فاتته في السفر فقضاها في السفر ففيه قولان ( أحدهما ) : لا يقصر لأنها صلاة ردت من أربع إلى ركعتين فكان من شرطها الوقت كصلاة الجمعة ( والثاني ) : له أن يقصر وهو الأصح لأنه تخفيف تعلق بعذر والعذر باق فكان التخفيف باقيا فأراد قضاءها كالقعود في صلاة المريض .

وإن فاتته في الحضر فقضاها في السفر لم يجز له القصر لأنه ثبت في ذمته صلاة تامة فلم يجز له القصر كما لو نذر أن يصلي أربع ركعات .

وقال المزني : له أن يقصر كما لو فاته صوم في الحضر وذكره في السفر فإن له أن يفطر ، هذا لا يصح لأن الصوم تركه في حال الأداء وكان له تركه ، وههنا في حال الأداء لم يكن له أن يقصر فوزانه من الصوم أن يتركه من غير عذر فلا يجوز له تركه في السفر ) .


( الشرح ) قوله " فكان قضاؤها كأدائها في العدد " احتراز ممن فاتته في الصحة فقضاها في المرض قاعدا أو بالتيمم .

( أما حكم الفصل ) فقال أصحابنا : إذا فاتته صلاة في الحضر فقضاها في السفر لم يجز القصر بلا خلاف بين الأصحاب إلا المزني فجوز القصر ، وإن فاتته في السفر فقضاها في الحضر فقولان ( أصحهما ) باتفاق الأصحاب : يلزمه الإتمام وهو نصه في الأم والإملاء ( والثاني ) : له القصر ، نص عليه في القديم ، فلو أدركته الصلاة في السفر فأقام وقد بقي بعض الوقت فلم يصل حتى خرج الوقت لزمه الإتمام قولا واحدا ، وإنما الخلاف إذا فاتت بكمالها في السفر ، صرح به البندنيجي وغيره .

أما إذا فاتته في السفر فقضاها في ذلك السفر فقولان ( أصحهما ) عند المصنف هنا وعند أبي إسحاق المروزي والشيخ أبي حامد والماوردي والمحاملي وجمهور الأصحاب له القصر ، ونقل الرافعي أيضا تصحيحه عن الأكثرين ( والثاني ) يلزمه الإتمام وصححه المصنف في التنبيه والبغوي والمتولي .

والمذهب جواز القصر .

فعلى هذا لو فاتته في سفر فحضر ثم سافر سفرا آخر فقضى في السفر الباقي هل له القصر ؟ فيه وجهان مشهوران للخراسانيين ( أصحهما ) له القصر ، وبه قطع الشيخ أبو حامد والبندنيجي وصاحب الشامل وسائر العراقيين ، وجمع بعض أصحابنا الصور فقال : إذا فاتته في السفر فأربعة أقوال ( أظهرها ) إن قضى في سفر قصر وإن قضى في حضر أتم ( والثاني ) : يتم مطلقا ( والثالث ) : يقصر مطلقا ( والرابع ) : إن قضى في ذلك السفر قصر وإلا فلا ( فإن قلنا ) يتم مطلقا [ ص: 246 ] فشرع في صلاة في السفر فخرج الوقت في أثنائها ، ففيه خلاف مبني على أن الصلاة التي يقع بعضها في الوقت أداء أم قضاء ؟ وقد سبق بيانها في باب مواقيت الصلاة ، والمذهب أنه إن وقع في الوقت ركعة فأداء ، وإن كان دونها فقضاء ، فإن قلنا : قضاء لم يقصر ، وإن قلنا : أداء قصر على الصحيح ; وبه قال الجمهور : وفيه وجه قالهابن القاص لا يقصر ، ولو فاته صلاة وشك هل فاتت في الحضر أم السفر ؟ لم يجز القصر بلا خلاف لأن الأصل الإتمام .

( فرع ) قال الشافعي - رحمه الله - في الأم : لو نسي المسافر صلاة الظهر حتى دخل وقت العصر فصلى العصر في أول وقتها ثم صار حاضرا في وقتها فقضى الظهر في أواخر وقت العصر لزمه إتمامها .

قال الشيخ أبو حامد : يلزمه إتمامها قولا واحدا ولا يكون على القولين فيمن نسيها في السفر فقضاها في الحضر ، لأن آخر وقت العصر هو وقت للظهر في حق المسافر ، فكأنه صلاها في وقتها وهو حاضر فلزمه الإتمام ، هذا كلام أبي حامد وهو ضعيف مخالف لإطلاق الأصحاب أن من فاته صلاة في السفر فقضاها في الحضر ففيه قولان وهذه فائتة سفر .

وأما نصه في الأم فلا دلالة فيه لنفي الخلاف لأنه في الأم يقول : إن من فاته صلاة في السفر فقضاها في الحضر أتم ، ولم يذكر فيه في الأم خلافا .

وقد قدمنا هذا عن الأم ، والشيخ أبي حامد ممن نقل ذلك عن الأم ، فالصحيح جريان القولين .

التالي السابق


الخدمات العلمية