صفحة جزء
قال المصنف - رحمه الله تعالى - : ( وإن كانت الصلاة مغربا صلى بإحدى الطائفتين ركعة [ وبالأخرى ] ركعتين وفي الأفضل قولان قال في الإملاء : الأفضل أن يصلي بالأولى ركعة وبالثانية ركعتين ; لما روي أن عليا رضي الله عنه صلى ليلة الهرير هكذا وقال في [ ص: 299 ] الأم : ( الأفضل أن يصلي بالأولى ركعتين وبالثانية ركعة ) ، وهو الأصح ; لأن ذلك أخف ; لأنه تتشهد كل طائفة تشهدين ، وعلى القول الآخر تتشهد الطائفة الثانية ثلاث تشهدات ، فإن قلنا بقوله في الإملاء فارقته الطائفة الأولى في القيام في الركعة الثانية ; لأن ذلك موضع قيامها ، وإن قلنا بقوله في الأم فارقته بعد التشهد ; لأنه موضع تشهدها ، وكيف ينتظر الإمام الطائفة الثانية ؟ فيه قولان .

قال في المختصر ينتظرهم جالسا حتى يدركوا معه القيام من أول الركعة [ لأنه ] إذا انتظرهم قائما فاتهم معه بعض القيام وقال في الأم : ( إن انتظرهم قائما فحسن وإن انتظرهم جالسا فجائز ) فجعل الانتظار قائما أفضل ، وهو الأصح ; لأن القيام أفضل من القعود ، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم { صلاة القاعد على النصف من صلاة القائم } )


( الشرح ) حديث { صلاة القاعد على النصف من صلاة القائم } رواه البخاري من رواية عمران بن الحصين ورواه مسلم من رواية ابن عمرو بن العاص ، وقد سبق بيانه في باب صلاة المريض ، وهو محمول على صلاة النفل مع القدرة على القيام كما سبق هناك ، وليلة الهرير - بفتح الهاء وكسر الراء - ليلة من ليالي صفين ، سميت بذلك ; لأنهم كان لهم هرير عند حمل بعضهم على بعض ، وهذا المروي عن علي رضي الله عنه ذكره البيهقي بغير إسناد وأشار إلى ضعفه فقال : " ويذكر عن جعفر بن محمد عن أبيه أن عليا صلى المغرب صلاة الخوف ليلة الهرير " ، والله أعلم .

وقوله ( لأن القيام أفضل من القعود ) هذا مجمع عليه ، وإنما اختلف العلماء في إطالة القيام والسجود أيهما أفضل ؟ ومذهبنا أن إطالة القيام أفضل ، ، وقد سبقت المسألة بدلائلها في أول باب صفة الصلاة .

وقوله : لأنه تتشهد كل طائفة تشهدين ، هذا تفريع على الأصح ، وهو نصه في الأم أن الثانية تفارق الإمام عقب السجود ، ولا يتشهدون معه ، أما إذا قلنا بنصه في سجود السهو : إنهم يفارقونه بعد تشهده فإنهم يتشهدون ثلاثة تشهدات .

( أما حكم المسألة ) فهو على ما ذكره المصنف ومختصره : أنه يجوز أن يصلي بالطائفة الأولى ركعتين ، وبالثانية ركعة ، ويجوز عكسه ، وأيهما أفضل ؟ فيه طريقان المشهور : قولان ( أصحهما ) أن يصلي بالأولى ركعتين وبالثانية ركعة ( والثاني ) عكسه ، وبه قال أبو حنيفة ومالك وداود [ ص: 300 ] والطريق الثاني ) بالأولى ركعتين - قولا واحدا - ونقله الشيخ أبو حامد عن عامة الأصحاب .

فإن قلنا : بالأولى ركعة فارقته إذا قام إلى الثانية ، وأتمت لأنفسها ، كما ذكرناه في ذات الركعتين ، وإن قلنا : بالأولى ركعتين جاز أن ينتظرهم في التشهد الأول وجاز في قيام الثالثة وأيهما أفضل ؟ فيه قولان : ( أصحهما ) باتفاقهم الانتظار في القيام ، وعلى هذا هل يقرأ في القيام الفاتحة وما بعدها أم لا يقرأ واشتغل بالذكر ؟ فيه الخلاف السابق في ذات الركعتين ، ولا خلاف أن الطائفة الأولى لا تفارقه إلا بعد التشهد ; لأنه موضع تشهدهم ، وهل تفارقه الطائفة الثانية عقب سجوده في الثالثة ؟ أم عقب التشهد ؟ فيه الخلاف السابق فيما إذا كانت الصلاة ركعتين ، وكذا الخلاف في أنه يتشهد في حال انتظارهم ، قال أصحابنا : وإذا قلنا ينتظرهم في التشهد انتظرهم حتى يحرموا خلفه ثم يقوم مكبرا ، قال الشيخ أبو حامد وغيره : ويكبرون متابعة له ، قالوا : وإنما قلنا : ينتظرهم جالسا حتى يحرموا ليدركوا معه الركعة من أولها كما أدركتها الطائفة الأولى من أولها

التالي السابق


الخدمات العلمية