صفحة جزء
[ ص: 351 ] قال المصنف - رحمه الله تعالى - : ( ولا تجب على المسافر للخبر ، ولأنه مشغول بالسفر وأسبابه ، فلو أوجبنا عليه انقطع عنه ، ولا تجب على العبد للخبر ، ولأنه ينقطع عن خدمة مولاه ، ولا تجب على المريض للخبر ، ولأنه يشق عليه القصد ، وأما الأعمى فإنه إن كان له قائد لزمته ، وإن لم يكن له قائد لم تلزمه ; لأنه يخاف الضرر مع عدم القائد ، ولا يخاف مع القائد ) .


( الشرح ) : في هذه القطعة مسائل : ( إحداها ) : لا تجب الجمعة على المسافر ، هذا مذهبنا لا خلاف فيه عندنا ، وحكاه ابن المنذر وغيره عن أكثر العلماء ، وقال الزهري والنخعي : إذا سمع النداء لزمته ، قال أصحابنا : ويستحب له الجمعة للخروج من الخلاف ، ولأنها أكمل ، هذا إذا أمكنه .

قال أصحابنا : ويستحب أيضا للخنثى والصبي ، واتفق أصحابنا على سقوط الجمعة عن المسافر ، ولو كان سفره قصيرا ، وقد سبق بيانه في مواضع ، فإن نوى إقامة أربعة أيام غير يومي الدخول والخروج لزمته بلا خلاف ، وفي انعقادها به خلاف ذكره المصنف بعد هذا ، وإن نوى إقامة دون أربعة أيام فلا جمعة عليه هذا كله في غير سفر المعصية ، أما سفر المعصية فلا تسقط الجمعة به بلا خلاف ، وقد سبق بيانه في صلاة المسافر وباب مسح الخف وغيرهما .

( الثانية ) : لا تجب على العبد ولا المكاتب وسواء المدبر وغيره ، هذا مذهبنا ، وبه قال جمهور العلماء ، قال ابن المنذر : أكثر العلماء على أن العبد والمدبر والمكاتب لا جمعة عليهم ، وهو قول عطاء والشعبي والحسن البصري وعمر بن عبد العزيز ومالك وأهل المدينة ، والثوري وأهل الكوفة وأحمد وإسحاق وأبي ثور .

قال : قال بعض العلماء : تجب الجمعة على العبد ، فإن منعه السيد فله التخلف ، وعن الحسن وقتادة والأوزاعي وجوبها على عبد يؤدي الضريبة وهو الخراج ، وقال داود : تجب عليه مطلقا ، وهي رواية عن أحمد ، دليلنا حديث طارق بن شهاب السابق ، وأما من بعضه حر وبعضه رقيق فلا جمعة عليه على الصحيح ، وبه قطع الجمهور ، وسواء كان بينه وبين سيده مهايأة أم لا ، وفيه وجه مشهور حكاه جماعة من الخراسانيين أنه إن كان بينه وبين سيده مهايأة وصادف يوم الجمعة حريته لزمته ، وهو [ ص: 352 ] ضعيف ; لأن له حكم العبد في معظم الأحكام ، ولا خلاف أنه لا تنعقد به الجمعة ، قال أصحابنا ويستحب للسيد أن يأذن له فيها وحينئذ يستحب له حضورها ولا تجب

( الثالثة ) : لا تجب الجمعة على المريض سواء فاتت الجمعة على أهل القرية بتخلفه لنقصان العدد أم لا ؟ لحديث طارق وغيره قال البندنيجي : لو تكلف المريض المشقة وحضر كان أفضل ، قال أصحابنا : المرض المسقط للجمعة هو الذي يلحق صاحبه بقصد الجمعة مشقة ظاهرة غير محتملة .

قال المتولي : ويلتحق بالمريض في هذا من به إسهال كثير ، قال : فإن كان بحيث لا يضبط نفسه حرم عليه حضور الجماعة ; لأنه لا يؤمن تلويثه المسجد ، قال إمام الحرمين : فهذا المرض المسقط للجمعة أخف من المرض المسقط للقيام في الفريضة ، وهو معتبر بمشقة الوحل والمطر ونحوهما .

( الرابعة ) : الأعمى إن وجد قائدا متبرعا أو بأجرة المثل وهو واجدها لزمته الجمعة ، وإلا فلا تجب عليه ، هكذا أطلقه المصنف والجمهور ، وقال القاضي حسين والمتولي : تلزمه إن أحسن المشي بالعصا بلا قائد ، هذا تفصيل مذهبنا ، وممن قال بوجوب الجمعة على الأعمى الذي يجد قائدا مالك وأحمد وأبو يوسف ومحمد وداود وقال أبو حنيفة : لا تجب

( فرع ) قال أصحابنا : تجب الجمعة على الزمن إن وجد مركوبا ملكا ، أو بإجارة أو إعارة ، ولم يشق عليه الركوب وإلا فلا تلزمه ، قالوا : والشيخ الهرم العاجز عن المشي له حكم الزمن

التالي السابق


الخدمات العلمية