صفحة جزء
قال المصنف - رحمه الله تعالى - : ( ولا تجب على خائف على نفسه أو ماله ; لما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { من سمع النداء فلم يجبه فلا صلاة له إلا من عذر ; قالوا : يا رسول الله وما العذر ؟ قال خوف أو مرض } ولا تجب على من في طريقه إلى المسجد مطر تبتل به ثيابه ; لأنه يتأذى بالقصد ، ولا تجب على من له مريض يخاف ضياعه ; لأن حق المسلم آكد من فرض الجمعة ، ولا تجب على من له قريب أو صهر أو ذو ود يخاف موته ; لما روي { أنه استصرخ على سعيد بن زيد وابن عمر يسعى إلى الجمعة فترك الجمعة ومضى إليه } وذلك لما بينهما من القرابة فإنه ابن عمه ، ولأنه يلحقه بفوات ذلك من الألم أكثر مما يلحقه من مرض أو أخذ مال ) .


( الشرح ) حديث ابن عباس صحيح رواه أبو داود ، وسبق بيانه في باب صلاة الجماعة ، وحديث الاستصراخ على سعيد بن زيد رواه البخاري في صحيحه في الباب الثاني في فضل من شهد بدرا .

وقوله " فإنه ابن عمه " يعني مجازا فإنه سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل ، وابن عمر هو عبد الله بن عمر بن الخطاب بن نفيل .

وقوله ( استصرخ ) هو من الصراخ وهو الصوت ، يقال صرخ يصرخ بضم الراء في المضارع وقوله " ذو ود " هو بضم الواو ، أي صديق .

وقوله ( يخاف ضياعه ) بفتح الضاد .

[ ص: 356 ] أما الأحكام ) فقال أصحابنا : كل عذر سقطت به الجماعة في غير الجمعة سقطت به الجمعة إلا الريح في الليل لعدم تصوره ، وفي الوحل ثلاثة أوجه عند الخراسانيين ( الصحيح ) عنهم ، وبه قطع العراقيون وجماعات من الخراسانيين أنه عذر في الجمعة والجماعة ( والثاني ) : ليس بعذر فيهما ( والثالث ) : هو عذر في الجماعة دون الجمعة حكاه الرافعي عن حكاية أبي المكارم صاحب العدة ، قال : وبه أفتى أئمة طبرستان ، وهذا غريب ضعيف ، وقد ثبت في الصحيحين عن ابن عباس أنه قال لمؤذنه في يوم جمعة ، يوم ردغ أي طين وزلق : لا تقل حي على الصلاة ، قل : الصلاة في الرحال ، وكأنهم أنكروا ذلك فقال : فعل هذا من هو خير مني ، يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الجمعة عزيمة ، وإني كرهت أن أخرجكم تمشون في الطين والدحض ، وفي رواية قال ذلك في يوم مطر .

وهذه الرواية لا تقدح في الاحتجاج به ; لأنه ليس فيه أن المطر كان موجودا ، فلم يعلل سقوط الجمعة إلا بالطين ، والله أعلم .

فهذا الذي ذكرته من الضابط هو الذي ذكره الأصحاب ، ويدخل في هذا الصور التي ذكرها المصنف وغيرها مما سبق بيانه في باب صلاة الجماعة ، ولو قال المصنف عبارة الأصحاب لكان أحسن وأخصر وأعم .

أما التمريض فقال : إن كان للمريض متعهد يقوم بمصالحه وحاجته نظر إن كان ذا قرابة زوجة أو مملوكا أو صهرا أو صديقا ونحوهم - فإن كان مشرفا على الموت أو غير مشرف لكن يستأنس بهذا الشخص - حضره وسقطت عنه الجمعة بلا خلاف ، وإن لم يكن مشرفا ولا يستأنس به لم تسقط عنه على المذهب ، وفيه وجه حكاه الشيخ أبو حامد في تعليقه عن أبي علي بن أبي هريرة وحكاه أيضا الرافعي : أنها تسقط ; لأن القلب متعلق به ، ولا يتقاصر عن عذر المطر ، وإن كان أجنبيا ليس له حق بوجه من الأمور السابقة لم تسقط الجمعة عن المتخلف عنده بلا خلاف ، هذا كله إذا كان له متعهد ، فإن لم يكن متعهد قال إمام الحرمين وغيره : إن خاف هلاكه إن غاب عنه فهو عذر يسقط الجمعة ، سواء كان قريبا أو أجنبيا ، قالوا : لأن إنقاذ المسلم من الهلاك فرض كفاية .

وإن كان يلحقه بغيبته ضرر ظاهر لا يبلغ دفعه مبلغ فروض الكفاية ففيه ثلاثة أوجه ( أصحها ) : أنه عذر أيضا ( والثاني ) : لا ( والثالث ) : [ ص: 357 ] عذر في القريب ونحوه دون الأجنبي ; ولو كان له متعهد لا يتفرغ لخدمته لاشتغاله بشراء الأدوية ونحوه فهو كمن لا متعهد له لفوات مقصود المتعهد .

التالي السابق


الخدمات العلمية