صفحة جزء
[ ص: 358 ] قال المصنف - رحمه الله تعالى - : ( وإن اتفق يوم عيد ويوم جمعة فحضر أهل السواد فصلوا العيد جاز أن ينصرفوا ويتركوا الجمعة ; لما روي عن عثمان رضي الله عنه أنه قال في خطبته : " أيها الناس قد اجتمع عيدان في يومكم فمن أراد من أهل العالية أن يصلي معنا الجمعة فليصل ومن أراد أن ينصرف فلينصرف " ولم ينكر عليه أحد ، ولأنهم إذا قعدوا في البلد لم يتهيئوا بالعيد ، فإن خرجوا ثم رجعوا للجمعة كان عليهم في ذلك مشقة والجمعة تسقط بالمشقة .

ومن أصحابنا من قال : تجب عليهم الجمعة ; لأن من لزمته الجمعة في غير يوم العيد وجبت عليه في يوم العيد كأهل البلد ، والمنصوص في الأم هو الأول ) .


( الشرح ) هذا الأثر عن عثمان رضي الله عنه رواه البخاري في صحيحه ، والعالية بالعين المهملة هي قرية بالمدينة من جهة الشرق ; وأهل السواد هم أهل القرى ، والمراد هنا أهل القرى الذين يبلغهم النداء ولزمهم حضور الجمعة في البلد في غير العيد ; وينكر على المصنف قوله ( روي عن عثمان ) بصيغة التمريض مع أنه حديث صحيح وقد سبق التنبيه على نظائره .

وقوله ( يتهيأ ) مهموز .

( وأما الأحكام ) فقال الشافعي والأصحاب : إذا اتفق يوم جمعة يوم عيد وحضر أهل القرى الذين تلزمهم الجمعة لبلوغ نداء البلد فصلوا العيد لم تسقط الجمعة بلا خلاف عن أهل البلد ، وفي أهل القرى وجهان : الصحيح المنصوص للشافعي في الأم والقديم : أنها تسقط ( والثاني ) : لا تسقط ، ودليلها في الكتاب ، وأجاب هذا الثاني عن قول عثمان ونص الشافعي فحملهما على من لا يبلغه النداء .

( فإن قيل ) هذا التأويل باطل ; لأن من لا يبلغه النداء لا جمعة عليه في غير يوم العيد ففيه أولى فلا فائدة في هذا القول له .

( فالجواب ) : أن هؤلاء إذا حضروا البلد يوم الجمعة غير يوم العيد يكره لهم الخروج قبل أن يصلوا الجمعة ، صرح بهذا كله المحاملي والشيخ أبو حامد في التجريد وغيرهما من الأصحاب ، قالوا : فإذا كان يوم عيد زالت تلك الكراهة فبين عثمان والشافعي زوالها ، والمذهب ما سبق ، وهو سقوطها عن أهل القرى الذين يبلغهم النداء .

[ ص: 359 ] فرع ) في مذاهب العلماء في ذلك قد ذكرنا أن مذهبنا وجوب الجمعة على أهل البلد وسقوطها عن أهل القرى وبه قال عثمان بن عفان وعمر بن عبد العزيز وجمهور العلماء ، وقال عطاء بن أبي رباح : إذا صلوا العيد لم تجب بعده في هذا اليوم صلاة الجمعة ، ولا الظهر ، ولا غيرهما إلا العصر لا على أهل القرى ولا أهل البلد .

قال ابن المنذر : وروينا نحوه عن علي بن أبي طالب وابن الزبير رضي الله عنهم وقال أحمد : تسقط الجمعة عن أهل القرى وأهل البلد ولكن يجب الظهر ، وقال أبو حنيفة : لا تسقط الجمعة عن أهل البلد ، ولا أهل القرى .

واحتج الذين أسقطوا الجمعة عن الجميع بحديث زيد بن أرقم وقال : { شهدت مع النبي صلى الله عليه وسلم عيدين اجتمعا فصلى العيد ثم رخص في الجمعة وقال : من شاء أن يصلي فليصل } رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه بإسناد جيد ، ولم يضعفه أبو داود ; وعن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : { قد اجتمع في يومكم هذا عيدان فمن شاء أخر أمر الجمعة وإنا مجتمعون } رواه أبو داود وابن ماجه بإسناد ضعيف ، واحتج لأبي حنيفة بأن الأصل الوجوب .

واحتج عطاء بما رواه هو قال : " اجتمع يوم جمعة ويوم عيد على عهد ابن الزبير فقال : عيدان اجتمعا فجمعهما جميعا فصلاهما ركعتين بكرة لم يزد عليهما حتى صلى العصر " رواه أبو داود بإسناد صحيح على شرط مسلم .

وعن عطاء قال " صلى ابن الزبير في يوم عيد يوم جمعة أول النهار ثم رحنا إلى الجمعة فلم يخرج إلينا فصلينا وحدانا وكان ابن عباس بالطائف فلما قدم ذكرنا ذلك له فقال : أصاب السنة " رواه أبو داود بإسناد حسن أو صحيح على شرط مسلم واحتج أصحابنا بحديث عثمان وتأولوا الباقي على أهل القرى لكن قول ابن عباس من السنة مرفوع وتأويله أضعف .

التالي السابق


الخدمات العلمية