صفحة جزء
قال المصنف - رحمه الله تعالى - : ( وأما من تجب عليه الجمعة فلا يجوز أن يصلي الظهر قبل فوات الجمعة فإنه مخاطب بالسعي إلى الجمعة ، فإن صلى الظهر قبل صلاة الإمام ففيه قولان ، قال في القديم : يجزئه ; لأن الفرض هو الظهر ; لأنه لو كان الفرض الجمعة لوجب قضاؤها كسائر الصلوات ، وقال في الجديد : لا تجزئه ، ويلزمه إعادتها ، وهو الصحيح ; لأن الفرض هو الجمعة ، ولو كان الفرض الظهر ، [ ص: 363 ] والجمعة بدلا عنه لما أثم بترك الجمعة إلى الظهر ، كما لا يأثم بترك الصوم إلى العتق في الكفارة ، وقال أبو إسحاق : إن اتفق أهل بلد على فعل الظهر أثموا بترك الجمعة إلا أنه يجزيهم ; لأن كل واحد منهم لا تنعقد به الجمعة ، والصحيح أنه لا يجزئهم [ على قوله الجديد ] ; لأنهم صلوا الظهر : وفرض الجمعة متوجه عليهم ) .


( الشرح ) قال أصحابنا : من لزمته الجمعة لا يجوز أن يصلي الظهر قبل فوات الجمعة بلا خلاف ; لأنه مخاطب بالجمعة ، فإن صلى الظهر قبل فوات الجمعة فقولان مشهوران ( الجديد ) : بطلانها ( والقديم ) : صحتها ، وذكر المصنف دليلهما واتفق الأصحاب على أن الصحيح بطلانها ، قال الأصحاب : هما مبنيان على أن الفرض الأصلي يوم الجمعة ماذا ؟ فالجديد يقول : الجمعة ، والقديم : الظهر ، والجمعة بدل ، وهذا باطل ; إذ لو كانت بدلا لجاز الإعراض عنها والاقتصار على الأصل ، واتفقوا أنه لا يجوز ترك الجمعة ، وإنما القولان في أنه إذا عصى بفعل الظهر هل يحكم بصحتها ؟ قال أبو إسحاق المروزي : القولان فيما إذا ترك آحاد أهل البلد الجمعة وصلوا الظهر ، أما إذا تركها جميع أهل البلد وصلوا الظهر فيأثمون ويصح ظهرهم على القولين ، وقال جمهور الأصحاب : لا فرق بين ترك الجميع والآحاد ، ففي الجديد لا يصح ظهرهم في الحالين ; لأنهم صلوها ، وفرض الجمعة متوجه عليهم ، وهذا هو الصحيح عند جميع المصنفين كما صححه المصنف فإن قلنا بالجديد في أصل المسألة ففرض الجمعة باق ويجب عليه حضورها فإن حضرها وصلاها فذاك ، وإن فاتته لزمه قضاء الظهر ، وهل تكون صلاته الأولى باطلة ؟ أم يتبين وقوعها نفلا ؟ فيه القولان السابقان في نظائرها ، كمن صلى الظهر قبل الزوال فقد سبقت جملة من نظائرها في أول باب صفة الصلاة .

( وإن قلنا ) بالقديم فهل يسقط عنه الخطاب بالجمعة ؟ فيه طريقان : ( أحدهما ) : وبه قطع إمام الحرمين والغزالي فيه قولان .

( والثاني ) : وهو الصحيح ، وبه قطع الأكثرون : لا يسقط بل يبقى الخطاب بوجوب الجمعة ما دامت ممكنة ، وإنما معنى صحة الظهر الاعتداد [ ص: 364 ] بها حتى لو فاتت الجمعة أجزأته الظهر ، وسواء قلنا : يسقط أم لا .

فإذا صلى الجمعة ففي الفرض منهما طريقان ( أحدهما ) : الفرض إحداهما مبهمة ، ويحتسب الله - تعالى - بما شاء ( وأصحهما ) وأشهرهما فيه أربعة أقوال ( أصحها ) : الفرض الظهر ( والثاني ) : الجمعة ( والثالث ) : كلاهما ، وهو قوي ( والرابع ) : إحداهما مبهمة ، هذا كله إذا صلى الظهر قبل رفع الإمام رأسه من ركوع الثانية فلو صلاها بعد رفع رأسه من ركوع الثانية وقبل سلامه فطريقان حكاهما صاحبا الشامل والمستظهري ( أحدهما ) : صحتها قطعا ; لأن الجمعة فاتت ( وأصحهما ) : طرد القولين الجديد والقديم ، قالا : وهو ظاهر نص الشافعي ; لأنها لا يتحقق فواتها إلا بسلام الإمام لاحتمال عارض بعدها ، فيجب استئنافها ، ولو اتفق أهل البلد على ترك الجمعة وصلوا الظهر فالفوات في حقهم إنما يتحقق بخروج الوقت أو ضيقه ، بحيث لا يسع ركعتين والله أعلم .

( فرع ) في مذاهب العلماء فيمن لزمته الجمعة فصلى الظهر قبل فواتها ذكرنا أن الصحيح عندنا أنه لا تصح صلاته ، وبه قال الثوري ومالك وزفر وأحمد وإسحاق وداود .

وقال أبو حنيفة وصاحباه وأبو ثور : يجزئه الظهر ، لكن قال أبو حنيفة : تبطل الظهر بالسعي إلى الجمعة ، وقال صاحباه : لا تبطل إلا بالإحرام بالجمعة ، وقال علي : إنه يلزمه السعي إلى الجمعة ما لم تفت .

التالي السابق


الخدمات العلمية