صفحة جزء
قال المصنف - رحمه الله تعالى - : ( ومن لزمته الجمعة ، وهو يريد السفر فإن كان يخاف فوت السفر - جاز له ترك الجمعة ; لأنه ينقطع عن الصحبة فيتضرر ، وإن لم يخف الفوت لم يجز أن يسافر بعد الزوال ; لأن الفرض قد توجه عليه فلا يجوز تفويته بالسفر ، وهل يجوز قبل الزوال ؟ فيه قولان ( أحدهما ) : يجوز ; لأنه لم تجب [ عليه ] فلا يحرم التفويت كبيع المال قبل الحول ( والثاني ) : لا يجوز وهو الأصح ; لأنه وقت لوجوب التسبب بدليل أن من كان داره على بعد لزمه القصد قبل الزوال ، ووجوب التسبب كوجوب الفعل ; فإذا لم يجز السفر بعد وجوب الفعل لم يجز بعد وجوب التسبب ) .


[ ص: 365 ] الشرح ) قال أصحابنا : الأعذار المبيحة لترك الجمعة تبيح تركها سواء كانت قبل زوال الشمس أو حدثت بعده ، إلا السفر ففيه صور ( إحداها ) : إذا سافر قبل الفجر جاز بلا خلاف بكل حال .

( الثانية ) : أن يسافر بعد الزوال ، فإن كان يصلي الجمعة في طريقه بأن يكون في طريقه موضع يصلي فيه الجمعة ، ويعلم أنه يدركها فيه جاز له السفر ، وعليه أن يصليها فيه ، وهذا لا خلاف فيه ، وقد أهمله المصنف مع أنه ذكره في التنبيه وذكره الأصحاب ، وإن لم يكن في طريقه موضع يصلي فيه الجمعة - فإن كان عليه ضرر في تأخير السفر بأن تكون الرفقة الذين يجوز لهم السفر خارجين في الحال ، ويتضرر بالتخلف عنهم - جاز السفر ; لما ذكره المصنف هذا هو المذهب وبه قطع الجمهور ، ونقل الرافعي أن الشيخ أبا حاتم القزويني حكى فيه وجهين ، والصواب الجزم بالجواز .

( الثالثة ) : أن يسافر بين الزوال وطلوع الفجر ، فحيث جوزناه بعد الزوال فهنا أولى ، وإلا فقولان مشهوران ذكر المصنف دليلهما ( أصحهما ) عند المصنف والأصحاب لا يجوز وهو نصه في أكثر كتبه الجديدة ( والثاني ) : يجوز ، نص عليه في القديم وحرملة واختلفوا في محلهما ، واتفقوا على جريانها في السفر المباح الذي طرفاه كالتجارة ، فأما الطاعة واجبة كانت أم مستحبة فقطع العراقيون بجريان القولين في سفرها ، وقطع القاضي حسين والبغوي وغيرهما من الخراسانيين بجوازه وخصوا القولين بالمباح ، وقال المتولي : في الطاعة طريقان : ( المذهب ) : الجواز ( والثاني ) : قولان ، وحيث حرمنا السفر فسافر لا يجوز له الترخص ما لم تفت الجمعة ثم حيث بلغ وقت فواتها يكون ابتداء سفره ، ذكره القاضي حسين والبغوي .

( فرع ) في مذاهب العلماء في السفر يوم الجمعة وليلتها أما ليلتها قبل طلوع الفجر فيجوز عندنا وعند العلماء كافة إلا ماحكاه العبدري عن إبراهيم النخعي أنه قال : لا يسافر بعد دخول العشاء من يوم الخميس حتى يصلي الجمعة ، وهذا مذهب باطل لا أصل له ، وأما السفر يوم الجمعة بعد الزوال إذا لم يخف فوت الرفقة ولم يصل الجمعة في طريقه فلا يجوز عندنا ، وبه قال مالك وأحمد وداود ، وحكاه ابن المنذر عن ابن عمر [ ص: 366 ] وعائشة وابن المسيب ومجاهد .

وقال أبو حنيفة : يجوز ، وأما السفر بين الفجر والزوال فقد ذكرنا أن الأصح عندنا تحريمه ، وبه قال ابن عمر وعائشة والنخعي ، وجوزه عمر بن الخطاب والزبير بن العوام وأبو عبيدة والحسن وابن سيرين ومالك وابن المنذر .

واحتج لهم بحديث ابن رواحة رضي الله عنه ، وهو حديث ضعيف جدا ; وليس في المسألة حديث صحيح .

التالي السابق


الخدمات العلمية