صفحة جزء
قال المصنف - رحمه الله تعالى - : ( ولا تصح الجمعة إلا في أبنية [ مجتمعة ] يستوطنها من تنعقد بهم الجمعة ، من بلد أو قرية ; لأنه لم تقم الجمعة في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا في أيام الخلفاء إلا في بلد أو قرية ، ولم ينقل أنها أقيمت في بدو ، فإن خرج أهل البلد إلى خارج البلد فصلوا لم يجز ; لأنه ليس بوطن فلم تصح فيه الجمعة كالبدو وإن انهدم البلد فأقام أهله على عمارته فحضرت الجمعة لزمهم إقامتها ; لأنهم في موضع الاستيطان ) .


( الشرح ) قال أصحابنا : يشترط لصحة الجمعة أن تقام في أبنية مجتمعة يستوطنها شتاء أو صيفا من تنعقد بهم الجمعة ، قال الشافعي والأصحاب : سواء كان البناء من أحجار أو أخشاب أو طين أو قصب أو سعف أو غيرها ، وسواء فيه البلاد الكبار ذوات الأسواق والقرى الصغار ، والأسراب المتخذة وطنا ، فإن كانت الأبنية متفرقة لم تصح الجمعة فيها بلا خلاف ; لأنها لا تعد قرية ، ويرجع في الاجتماع والتفرق إلى العرف ، وقد أهمل المصنف اشتراط كونها مجتمعة مع أنه ذكره في التنبيه واتفقوا عليه .

وأما أهل الخيام فإن كانوا ينتقلون من موضعهم شتاء أو صيفا لم [ ص: 368 ] تصح الجمعة فيها بلا خلاف ، وإن كانوا دائمين فيها شتاء وصيفا وهي مجتمعة بعضها إلى بعض فقولان ، حكاهما القاضي أبو الطيب في تعليقه ، وابن الصباغ والمتولي وصاحب العدة والشاشي وآخرون ( أصحهما ) باتفاق الأصحاب : لا تجب عليهم الجمعة ولا تصح منهم ، وبه قطع الأكثرون ، وبه قال مالك وأبو حنيفة ( والثاني ) : تجب عليهم وتصح منهم ، نص عليه في البويطي والله أعلم .

قال أصحابنا : ولا يشترط إقامتها في مسجد ، ولكن تجوز في ساحة مكشوفة بشرط أن تكون داخلة في القرية أو البلدة معدودة من خطتها ، فلو صلوها خارج البلد لم تصح بلا خلاف ، سواء كان بقرب البلد أو بعيدا منه ، سواء صلوها في كن أم ساحة ودليله أن النبي صلى الله عليه وسلم قال { صلوا كما رأيتموني أصلي } ولم يصل هكذا ، ولو انهدمت أبنية القرية أو البلدة فأقام أهلها على عمارتها لزمتهم الجمعة فيها سواء كانوا في سقائف ومظال أم لا ; لأنه محل الاستيطان نص عليه الشافعي واتفق عليه الأصحاب ، قال القاضي أبو الطيب : ولا يتصور انعقاد الجمعة عند الشافعي في غير بناء إلا في هذه المسألة .

التالي السابق


الخدمات العلمية