صفحة جزء
قال المصنف - رحمه الله تعالى - : ( ومن شرطهما القيام مع القدرة ، والفصل بينهما بجلسة ; لما روى جابر بن سمرة قال : { كان النبي صلى الله عليه وسلم يخطب قائما ثم يجلس ثم يقوم ويقرأ آيات ويذكر الله - تعالى - } ، ولأنه أحد فرضي الجمعة ، فوجب عليه فيه القيام والقعود كالصلاة ) .


( الشرح ) حديث جابر هذا صحيح رواه مسلم ولكن قال : يقرأ القرآن ويذكر الناس والباقي سواء ، وجابر وأبوه سمرة صحابيان رضي الله عنهما .

قال الشافعي والأصحاب : يشترط لصحة الخطبتين القيام فيهما مع القدرة ، والجلوس بينهما مع القدرة .

فإن عجز عن القيام استحب له أن يستخلف ، فإن خطب قاعدا أو مضطجعا للعجز جاز بلا خلاف كالصلاة .

قال أصحابنا : ويصح الاقتداء به حينئذ ، سواء صرح بأنه لا يستطيع القيام أم سكت ; لأن الظاهر أن قعوده للعجز ، فإن بان أنه كان قادرا على القيام قال أصحابنا : فهو كما لو بان محدثا ، والمذهب أنه تصح صلاتهم إن تم العدد [ ص: 384 ] دونه ، وإن نقص لم تصح بلا خلاف ، ولا تصح صلاته على التقديرين .

قال الشافعي وأصحابنا : فلو علموا قدرته على القيام لم تصح صلاتهم ، وإن ظهر لهم قدرته فأخبرهم بعجزه اعتمدوه وصحت صلاتهم ، قال الشافعي والشيخ أبو حامد والبندنيجي وصاحب العدة وغيرهم : فإن علم بعضهم دون بعض بقدرته لم تصح صلاة العالمين ، وتصح صلاة الآخرين إن تم بهم العدد وإلا فلا .

وحكى الرافعي وجها أن الخطبة تصح قاعدا مع القدرة على القيام ، وهو شاذ ضعيف أو باطل .

وأما الجلوس بينهما فواجب بالاتفاق ، وتجب الطمأنينة فيه ، صرح به إمام الحرمين وآخرون قال أصحابنا : وهذا الجلوس خفيف جدا قدر سورة الإخلاص تقريبا ، والواجب منه قدر الطمأنينة .

هذا هو الصحيح المشهور نص عليه الشافعي وقطع به ، وفيه وجه أنه يشترط كونه قدر سورة الإخلاص ، حكاه الرافعي قال : وحكى بعضهم أيضا عن نص الشافعي وهو ضعيف .

قال أصحابنا : فإن خطب قاعدا للعجز فصل بينهما بسكتة ولا يجوز أن يضطجع ، والمشهور الذي قطع به الجمهور أن هذه السكتة واجبة ليحصل الفصل وذكر الماوردي وغيره وجها أنها لا تجب ، وأنه لو وصل كلامه في الخطبتين صحتا ; لأنه تخلله سكتات غير مقصودة ، وقال القاضي أبو الطيب : تستحب هذه السكتة .

وحكى الرافعي وجها أنه لو خطب قائما كفاه الفصل بسكتة [ من ] غير جلوس وهو شاذ مردود .

( فرع ) ذكرنا أن مذهبنا وجوب القيام في الخطبتين والجلوس بينهما ولا تصح إلا بهما وقال مالك وأبو حنيفة وأحمد : تصح قاعدا مع القدرة .

قالوا : والقيام سنة وكذا الجلوس بينهما سنة عندهم ، وبه قال جمهور العلماء حتى إن الطحاوي قال : لم يقل أحد غير الشافعي باشتراط الجلوس بينهما .

قال القاضي عياض : وعن مالك رواية أن الجلوس بينهما شرط ، وكذا القيام .

ودليلنا أنه صلى الله عليه وسلم قال { صلوا كما رأيتموني أصلي } مع الأحاديث الصحيحة المشهورة أنه صلى الله عليه وسلم { كان يخطب خطبتين قائما يجلس بينهما } .

التالي السابق


الخدمات العلمية