صفحة جزء
قال المصنف - رحمه الله تعالى - : ( ويستحب أن يبكر إلى الجمعة ; لما روى أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة ثم راح في الساعة [ ص: 412 ] الأولى فكأنما قرب بدنة ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة ، ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرب كبشا أقرن ، ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما قرب دجاجة ، ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضة ، فإذا خرج الإمام حضرت الملائكة يستمعون الذكر وطويت الصحف } ) .


( الشرح ) حديث أبي هريرة هذا قد رواه البخاري ومسلم بلفظه ، وهذا المذكور من أن الساعات خمس هو المشهور في كتب الحديث ، وفي رواية النسائي ست ساعات .

قال : " في الأولى بدنة ، وفي الثانية بقرة ، والثالثة كبشا ، والرابعة بطة ، والخامسة دجاجة ، والسادسة بيضة " وفي رواية النسائي أيضا : " في الرابعة دجاجة ، وفي الخامسة عصفورا ، وفي السادسة بيضة " وإسناد الروايتين صحيحان ; لكن قد يقال : هما شاذان لمخالفتهما سائر الروايات .

وقوله صلى الله عليه وسلم " غسل الجنابة ، معناه غسلا كغسل الجنابة في صفاته وإنما قال ذلك لئلا يتساهل فيه ولا يكمل آدابه ومندوباته .

لكونه سنة ليس بواجب ، هذا هو المشهور في معناه ، ولم يذكر جمهور أصحابنا وجماهير العلماء غيره ، وحكى القاضي أبو الطيب في تعليقه وصاحب الشامل وغيرهما من أصحابنا أن بعضهم حمله على الغسل من الجنابة حقيقة ، قالوا : والمراد به أنه يستحب له أن يجامع زوجته - إن كان له زوجة - أو أمته ، لتسكن نفسه في يومه ، ويؤيده الحديث المذكور بعد هذا " من غسل واغتسل " على أحد المذاهب في تفسيره كما سيأتي إن شاء الله .

وقوله صلى الله عليه وسلم " من اغتسل يوم الجمعة ثم راح " يستدل به أصحابنا على مالك في اشتراط الرواح عقبه ; لأن ثم للتراخي ، ويستدلون به على الأوزاعي في تجويزه الاغتسال قبل الفجر ; لأن ما قبل الفجر ليس من يوم الجمعة بالاتفاق .

وهذه الرواية مبينة لغسل الجمعة المطلق في غيرها ، وقوله صلى الله عليه وسلم ثم راح أي في الساعة الأولى ، وأما حقيقة الرواح والمراد به فسنذكره عقب هذه المسألة إن شاء الله - تعالى - .

( وقوله ) صلى الله عليه وسلم : " قرب بدنة " إلى آخره معنى قرب بدنة تصدق بها .

والمراد بالبدنة هنا الواحد من الإبل ذكرا كان أو أنثى وفي حقيقة البدنة [ ص: 413 ] خلاف لأهل اللغة والفقهاء قال الجمهور : يقع على الواحد من الإبل والبقر والغنم ، وسميت بذلك لعظم بدنها ، وقيل : يختص بالإبل والبقر ، ويقع على الذكر والأنثى ، سميت بقرة ; لأنها تبقر الأرض أي تشقها بالحراثة ، والبقر الشق ووصف الكبش بأنه أقرن ; لأنه أحسن وأكمل في صورته ، والدجاجة - بفتح الدال وكسرها - يقع على ذكر وأنثى ، ويقال : حضرت الملائكة وغيرهم بفتح الضاد على المشهور ، وحكى ابن السكيت وجماعات كسرها ، قالوا : وهؤلاء الملائكة غير الحفظة بل طائفة وظيفتهم كتابة حاضري الجمعة ، ثم يحضرون يسمعون الخطبة .

وفي هذا الحديث حجة لنا وللجمهور على مالك ، فإنه قال : التضحية بالبقرة أفضل من البدنة ، وفي الهدي في الحج قال : البدنة أفضل ، وعندنا وعند الجمهور البدنة أفضل فيهما ، ودليلنا أن القربان يطلق على الأضحية والهدي ، وهذا الحديث صريح في ترجيح البدنة على البقرة في القربان ، ومعنى الحديث : الحث على التبكير إلى الجمعة ، وأن مراتب الناس في الفضيلة فيه وفي غيره على قدر أعمالهم كقوله تعالى - : { إن أكرمكم عند الله أتقاكم } واتفق أصحابنا على استحباب التبكير إلى الجمعة ، والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية