صفحة جزء
قال المصنف - رحمه الله تعالى - : ( ومن دخل والإمام في الصلاة أحرم بها فإن أدرك معه الركوع من الثانية فقد أدرك الجمعة ، فإذا سلم الإمام أضاف إليها أخرى ، وإن لم يدرك الركوع فقد فاتت الجمعة فإذا سلم الإمام تم الظهر ; لما روى أبو هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { من أدرك ركعة من الجمعة فليصل إليها أخرى } ) .


( الشرح ) حديث أبي هريرة هذا رواه الحاكم في المستدرك من ثلاث طرق وقال : أسانيدها صحيحة ورواه ابن ماجه والدارقطني والبيهقي وفي إسناده ضعف ، ويغني عنه حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال { من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة } رواه البخاري ومسلم ، وبهذا الحديث احتج مالك في الموطأ ، والشافعي في الأم وغيرهما ، قال [ ص: 432 ] الشافعي : معناه لم تفته تلك الصلاة ومن لم تفته الجمعة صلاها ركعتين ( وقوله ) في حديث الكتاب : فليصل إليها أخرى ، وهو بضم الياء وفتح الصاد وتشديد اللام .

( أما الأحكام ) قال الشافعي والأصحاب : إذا أدرك المسبوق ركوع الإمام في ثانية الجمعة بحيث اطمأن قبل رفع الإمام عن أقل الركوع كان مدركا للجمعة ، فإذا سلم الإمام أتى بثانية وتمت جمعته ، وإن أدركه بعد ركوعها لم يدرك الجمعة بلا خلاف عندنا ، فيقوم بعد سلام الإمام إلى أربع للظهر ، وفي كيفية نية هذا الذي أدركه بعد الركوع وجهان حكاهما صاحب البيان وغيره ( أحدهما ) : ينوي الظهر ; لأنها التي تحصل له ( وأصحهما ) : وبه قطع الروياني في الحلية وآخرون ، وهو ظاهر كلام المصنف والجمهور : ينوي الجمعة موافقة للإمام ، ولو أدرك الركوع وشك هل سجد مع الإمام سجدة أم سجدتين ؟ قال الشافعي والشيخ أبو حامد والبندنيجي والروياني في الحلية وغيرهم : إن كان شك قبل سلام الإمام سجد أخرى وأدرك الجمعة ، وإن كان بعده سجد أخرى وأتم الظهر ، ولا تحصل الجمعة قطعا ، وحكى القاضي أبو الطيب في تعليقه وجها أنه لا يكون مدركا للجمعة فيما إذا سجدها قبل سلام الإمام ، وهذا شاذ ضعيف .

ولو أدرك ركعة مع الإمام وسلم الإمام وأتى بركعته الأخرى فلما جلس للتشهد شك هل سجد مع الإمام سجدة أم سجدتين ؟ لم يكن مدركا للجمعة بلا خلاف لاحتمال أنها من الأولى وتحصل له ركعة من الظهر ، ويأتي بثلاث ركعات ، هذا كله إذا أدرك ركوعا محسوبا للإمام فإن لم يكن محسوبا له بأن أدرك ركوع ثانية الجمعة فبان الإمام محدثا فيبني على الخلاف السابق في باب صفة الأئمة أنه لو كان إمام الجمعة محدثا وتم العدد بغيره هل تصح ؟ والأصح الصحة .

فإن قلنا : لا تصح فهنا أولى ، وإلا فوجهان ( أصحهما ) : لا تصح ( والثاني ) : تصح ، وسبق هناك دليل الوجهين ، ولو أدركه راكعا وشك هل أدرك معه الركوع المجزئ ؟ ففيه خلاف سبق في باب صلاة الجماعة ، والصحيح المنصوص الذي قطع به الأكثرون أنه لا يكون مدركا للركعة ، فتفوته الجمعة ويصليها ظهرا ويسجد للسهو كما سبق بيانه هناك .

[ ص: 433 ] قال ابن الحداد والقاضي أبو الطيب والأصحاب : لو صلى الإمام الجمعة ثلاثا ناسيا فأدركه مسبوق في الثالثة لم يكن مدركا للجمعة قطعا ; لأن هذه الركعة غير محسوبة للإمام ، فلو علم الإمام أنه ترك سجدة ساهيا فإن علم أنها من الركعة الأولى انجبرت الأولى بالثانية وصارت الثالثة ثانية وحسبت للمسبوق وأدرك بها الجمعة فيضم إليها أخرى ويسلم ، وإن لم يعلم من أين هي ؟ فصلاة الإمام صحيحة ولا يكون المسبوق مدركا للجمعة لاحتمال أنه تركها من الثانية ، فتكون الثالثة للإمام لغوا إلا سجدة يتمم بها الثانية .

( فرع ) في مذاهب العلماء فيما يدرك به المسبوق الجمعة قد ذكرنا أن مذهبنا أنه إن أدرك ركوع الركعة الثانية أدركها وإلا فلا ، وبه قال أكثر العلماء ، حكاه ابن المنذر عن ابن مسعود وابن عمر وأنس بن مالك وسعيد بن المسيب والأسود وعلقمة والحسن البصري وعروة بن الزبير والنخعي والزهري ومالك والأوزاعي والثوري وأبى يوسف وأحمد وإسحاق وأبي ثور ، قال : وبه أقول .

وقال عطاء وطاوس ومجاهد ومكحول : من لم يدرك الخطبة صلى أربعا ، وحكى أصحابنا مثله عن عمر بن الخطاب وقال الحكم وحماد وأبو حنيفة : من أدرك التشهد مع الإمام أدرك الجمعة ، فيصلي بعد سلام الإمام ركعتين وتمت جمعته ، وحكى الشيخ أبو حامد عن هؤلاء أنه إذا أحرم قبل سلام الإمام كان مدركا للجمعة حتى قال أبو حنيفة : لو سلم الإمام ثم سجد للسهو فأدركه مأموم فيه أدركها وحكى أصحابنا مثل مذهبنا أيضا عن الشعبي وزفر ومحمد بن الحسن ، دليلنا الحديث الذي ذكرته عن رواية البخاري ومسلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية